قوله : ٢٥ - ﴿ ربكم أعلم بما في نفوسكم ﴾ أي بما في ضمائركم من الإخلاص وعدمه في كل الطاعات ومن التوبة من الذنب الذي فرط منكم أو الإصرار عليه ويندرج تحت هذا العموم ما في النفس من البر والعقوق اندراجا أوليا وقيل إن الآية خاصة بما يجب للأبوين من البر ويحرم على الأولاد من العقوق والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ فلا تخصصه دلالة السياق ولا تقيده ﴿ إن تكونوا صالحين ﴾ قاصدين الصلاح والتوبة من الذنب والإخلاص للطاعة فلا يضركم ما وقع من الذنب الذي تبتم عنه ﴿ فإنه كان للأوابين غفورا ﴾ أي الرجاعين عن الذنوب إلى التوبة وعن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص غفورا لما فرط منهم من قول أو فعل أو اعتقاد فمن تاب تاب الله عليه ومن رجع إلى الله رجع الله إليه
ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال : ٢٦ - ﴿ وآت ذا القربى حقه ﴾ والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه و سلم تهييجا وإلهابا لغيره من الأمة أو لكل من هو صالح لذلك من المكلفين كما في قوله :﴿ وقضى ربك ﴾ والمراد بذي القربى ذو القرابة وحقهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها وكرر التوصية فيها والخلاف بين أهل العلم في وجوب النفقة للقرابة أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد والأولاد على الوالدين معروف والذي ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال ﴿ والمسكين ﴾ معطوف على ﴿ ذا القربى ﴾ وفي هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق المالي ﴿ وابن السبيل ﴾ معطوف على ﴿ المسكين ﴾ والمعنى : وآت من اتصف بالمسكنة أو يكونه من أبناء السبيل حقه وقد تقدم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل في البقرة وفي التوبة والمراد في هذه الآية التصدق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة ثم لما أمرسبحانه بما أمر به ها هنا نهى عن التبذير فقال :﴿ ولا تبذر تبذيرا ﴾ التبذير تفريق المال كما يفرق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحد المستحسن شرعا في الإنفاق أو هو الإنفاق في غير الحق وإن كان يسيرا قال الشافعي : التبذير إنفاق المال في غير حقه ولا تبذير في عمل الخير قال القرطبي بعد حكايته لقول الشافعي هذا : وهذا قول الجمهور قال أشهب عن مالك : التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه وهو الإسراف