والإشارة بقوله : ٣٨ - ﴿ كل ذلك ﴾ إلى جميع ما تقدم ذكره من الأوامر والنواهي أو إلى ما نهى عنه فقط من قوله :﴿ ولا تقف ﴾ ﴿ ولا تمش ﴾ قرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ومسروق ﴿ سيئه ﴾ على إضافة سيء إلى الضمير ويؤيد هذه القراءة قوله :﴿ مكروها ﴾ فإن السيء هو المكروه ويؤيدها أيضا قراءة أبي : كان سيئاته واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ﴿ سيئة ﴾ على أنها واحدة السيئات وانتصابها على خبرية كان ويكون مكروها صفة لسيئة على المعنى فإنها بمعنى سيئا أو هو بدل من سيئة وقيل هو خبر ثان لكان حملا على لفظ كل ورجح أبو علي الفارسي البدل وقد قيل في توجيهه بغير هذا مما فيه تعسف لا يخفى قال الزجاج : والإضافة أحسن لأن ما تقدم من الآيات فيه سيء وحسن فسيئه المكروه ويقوي ذلك التذكير في المكروه قال : ومن قرأ بالتنوين جعل ﴿ كل ذلك ﴾ إحاطة بالمنهي عنه دون الحسن المعنى : كل ما نهى الله عنه كان سيئة وكان مكروها قال : والمكروه على هذه القراءة بدل من السيئة وليس بنعت والمراد بالمكروه عند الله هو الذي يبغضه ولا يرضاه لا أنه غير مراد مطلقا لقيام الأدلة القاطعة على أن الأشياء واقعة بإرادته سبحانه وذكر مطلق الكراهة مع أن في الأشياء المتقدمة ما هو من الكبائر إشعارا بأن مجرد الكراهة عنده تعالى يوجب انزجار السامع واجتنابه لذلك والحاصل أن في الخصال المتقدمة ما هو حسن وهو المأمور به وما هو مكروه وهو المنهي عنه فعلى قراءة الإضافة تكون الإشارة إلى المنهيات ثم الإخبار عن هذه المنهيات بأنها سيئة مكروهة عند ذلك
٣٩ - ﴿ ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ﴾ الإشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله ﴿ لا تجعل ﴾ إلى هذه الغاية وترتقي إلى خمسة وعشرين تكليفا ﴿ مما أوحى إليك ربك ﴾ : أي من جنسه أو بعض منه وسمي حكمة لأنه كلام محكم وهو ما علمه من الشرائع أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها الفساد وعند الحكماء أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته و ﴿ من الحكمة ﴾ متعلق بمحذوف وقع حالا أي كائنا من الحكمة أو بدل من الموصول بإعادة الجار أو متعلق بأوحى ﴿ ولا تجعل مع الله إلها آخر ﴾ كرر سبحانه النهي عن الشرك تأكيدا وتقريرا وتنبيها على أنه رأس خصال الدين وعمدته قيل وقد راعى سبحانه في هذا التأكيد دقيقة فرتب على الأول كونه مذموما مخذولا وذلك إشارة إلى حال الشرك في الدنيا ورتب على الثاني أنه يلقى ﴿ في جهنم ملوما مدحورا ﴾ وذلك إشارة إلى حاله في الآخرة وفي القعود هناك والإلقاء هنا إشارة إلى أن للإنسان في الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة وقد تقدم تفسير الملوم والمدحور


الصفحة التالية
Icon