قوله : ٥٦ - ﴿ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه ﴾ هذا رد على طائفة من المشركين كانوا يعبدون تماثيل على أنها صور الملائكة وعلى طائفة من أهل الكتاب كانوا يقولون بإلهية عيسى ومريم وعزير فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم بأن يقول لهم : ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله وقيل أراد بالذين زعمتم نفرا من الجن عندهم ناس من العرب وإنما خصصت الآية بمن ذكرنا لقوله :﴿ يبتغون إلى ربهم الوسيلة ﴾ فإن هذا لا يليق بالجمادات ﴿ فلا يملكون كشف الضر عنكم ﴾ أي لا يستطيعون ذلك والمعبود الحق هو الذي يقدر على كشف الضر وعلى تحويله من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان فوجب القطع بأن هذه التي تزعمونها آلهة ليست بآلهة
ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضار فقال : ٥٧ - ﴿ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ﴾ فأولئك مبتدأ والذين يدعون صفته وضمير الصلة محذوف : أي يدعونهم وخبر المبتدأ يبتغون إلى ربهم الوسيلة ويجوز أن يكون الذين يدعون خبر المبتدأ : أي الذين يدعون عباده إلى عبادتهم ويكون يبتغون في محل نصب على الحال وقرأ ابن مسعود تدعون بالفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ولا خلاف في يبتغون أنه بالتحتية والوسيلة القربة بالطاعة والعبادة : أي يتضرعون إلى الله في طلب ما يقربهم إلى ربهم والضمير في ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين ﴿ أيهم أقرب ﴾ مبتدأ وخبر قال الزجاج : المعنى أيهم أقرب بالوسيلة إلى الله : أي يتقرب إليه بالعمل الصالح ويجوز أن يكون بدلا من الضمير في ﴿ يبتغون ﴾ : أي يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة فكيف بمن دونه ؟ وقيل إن يبتغون مضمن معنى يحرصون أي يحرصون أيهم أقرب غليه سبحانه بالطاعة والعبادة ﴿ ويرجون رحمته ﴾ كما يرجوها غيرهم ﴿ ويخافون عذابه ﴾ كما يخافه غيرهم ﴿ إن عذاب ربك كان محذورا ﴾ تعليل لقوله ﴿ يخافون عذابه ﴾ : أي إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم
ثم بين سبحانه مآل الدنيا وأهلها فقال : ٥٨ - ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ﴾ إن نافية ومن للاستغراق : أي ما من قرية أي قرية كانت من قرى الكفار قال الزجاج : أي ما من أهل قرية إلا سيهلكون إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم فالمراد بالقرية أهلها وإنما قيل قبل يوم القيامة لأن الإهلاك يوم القيامة غير مختص بالقرى الكافرة بل يعم كل قرية لانقضاء عمر الدنيا وقيل الإهلاك للصالحة والتعذيب للطالحة والأول أولى لقوله :﴿ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ﴾ ﴿ كان ذلك ﴾ المذكور من الإهلاك والتعذيب ﴿ في الكتاب ﴾ أي اللوح المحفوظ ﴿ مسطورا ﴾ أي مكتوبا والسطر الخط وهو في الأصل مصدر والسطر بالتحريك مثله قال جرير :

( من شاء بايعته مالي وخلفته ما تكمل التيم في ديوانها سطرا )
والخلفة بضم الخاء خيار المال والسطر جمع أسطار وجمع السطر بالسكون أسطر


الصفحة التالية
Icon