لما ذكر سبحانه أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان في بلية عظيمة من قومه ومنحة شديدة أراد أن يبين أن جميع الأنبياء كانوا كذلك حتى أن هذه عادة قديمة سنها إبليس اللعين وأيضا لما ذكر أن الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ذكر ها هنا ما يحقق ذلك فقال : ٦١ - ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ﴾ هذه القصة قد ذكرها الله سبحانه في سبعة مواضع : في البقرة والأعراف والحجر وهذه السورة والكهف وطه وص وقد تقدم تفسيرها مبسوطا فلنقتصر ها هنا على تفسير ما لم يتقدم ذكره من الألفاظ فقوله :﴿ طينا ﴾ منتصب بنزع الخافض : أي من طين أو على الحال قال الزجاج المعنى لمن خلقته طينا وهو منصوب على الحال
٦٢ - ﴿ أرأيتك ﴾ أي أخبرني عن هذا الذي فضلته علي لم فضلته ؟ وقد ﴿ خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ فحذف هذا للعلم به ﴿ لأحتنكن ذريته ﴾ أي لأستولين عليهم بالإغواء والإضلال قال الواحدي : أصله من احتناك الجراد الزرع وهو أن تستأصله بأحناكها وتفسده هذا هو الأصل ثم سمي الاستيلاء على الشيء وأخذه كله احتناكا وقيل معناه : لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت من قولهم حنكت الفرس أحنكه حنكا : إذا جعلت في فيه الرسن والمعنى الأول أنسب بمعنى هذه الآية ومنه قول الشاعر :
( أشكو إليك سنة قد أجحفت | جهدا إلى جهد بنا وأصعقت ) |
أي استأصلت أموالنا واللام في ﴿ لئن أخرتن ﴾ هي الموطئة وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم وأنه يجري منهم في مجاري الدم وأنهم بحيث يروج عندهم كيده وتنفق لديهم وسوسته إلا من عصم الله وهم المرادون بقوله :﴿ إلا قليلا ﴾ وفي معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه :﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ﴾ ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى :﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ﴾ فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتمادا على الظن وقيل إنه استنبط ذلك من قول الملائكة ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾ وقيل علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات أو ظن ذلك لأنه وسوس لآدم فقبل منه ذلك ولم يجد له عزما كما روي عن الحسن