ثم لما عدد سبحانه في الآيات المتقدمة أقسام النعم على بني آدم أردفه بما يجري مجرى التحذير من الاغترار بوساوس الأشقياء فقال : ٧٣ - ﴿ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ﴾ إن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والمعنى : وإن الشأن قاربوا أن يخدعوك فاتنين وأصل الفتنة الاختبار ومنه فتن الصائغ الذهب ثم استعمل في كل من أزال الشيء عن حده وجهته وذلك لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن وافتراء على الله سبحانه من تبديل الوعد بالوعيد وغير ذلك ﴿ عن الذي أوحينا إليك ﴾ من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد ﴿ لتفتري علينا غيره ﴾ لتتقول علينا غير الذي أوحينا إليك مما اقترحه عليك كفار قريش ﴿ وإذا لاتخذوك خليلا ﴾ أي لو اتبعت أهواءهم لاتخذوك خليلا لهم : أي والوك وصافوك مأخوذ من الخلة بفتح الخاء
٧٤ - ﴿ ولولا أن ثبتناك ﴾ على الحق وعصمناك عن موافقتهم ﴿ لقد كدت تركن إليهم ﴾ لقاربت أن تميل إليهم أدنى ميل والركون هو الميل اليسير ولهذا قال :﴿ شيئا قليلا ﴾ لكن أدركته صلى الله عليه و سلم العصمة فمنعته من أن يقرب من أدنى مراتب الركون إليهم فضلا عن نفس الركون وهذا دليل على أنه صلى الله عليه و سلم ما هم بأجابتهم ذكر معناه القشيري وغيره وقيل المعنى : وإن كادوا ليخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم فنسب فعلهم إليه مجازا واتساعاص كما تقول للرجل : كدت تقتل نفسك : أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت ذكر معناه المهدوي
ثم توعده سبحانه في ذلك أشد الوعيد فقال : ٧٥ - ﴿ إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ﴾ أي لو قاربت أن تركن إليهم أي مثلي ما يعذب به غيرك ممن يفعل هذا الفعل في الدارين والمعنى : عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات : أي مضاعفا ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وأضيفت وذلك لأن خطأ العظيم عظيم كما قال سبحانه :﴿ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ﴾ وضعف الشيء مثلاه وقد يكون الضعف النصيب كقوله :﴿ لكل ضعف ﴾ أي نصيب قال الرازي : حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون همك لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة ﴿ ثم لا تجد لك علينا نصيرا ﴾ ينصرك فيدفع عنك هذا العذاب قال النيسابوري : اعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها فلا يلزم من الآية طعن في العصمة


الصفحة التالية
Icon