والاستثناء بقوله : ٨٧ - ﴿ إلا رحمة من ربك ﴾ إن كان متصلا فمعناه إلا أن يرحمك ربك فلا نذهب به وإن كان منقطعا فمعناه لكن لا يشأ ذلك رحمة من ربك أو لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ﴿ إن فضله كان عليك كبيرا ﴾ حيث جعلك رسولا وأنزل عليك الكتاب وصيرك سيد ولد آدم وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك مما أنعم به عليه
ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال : ٨٨ - ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ﴾ المنزل من عند الله الموصوف بالصفات الجليلة من كمال البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ ﴿ لا يأتون بمثله ﴾ أظهر في مقام الإضمار ولم يكتف بأن يقول لا يأتون به على أن الضمير راجع إلى المثل المذكور لدفع توهم أن يكون له مثل معين وللإشعار بأن المراد نفي المثل على أي صفة كان وهو جواب قسم محذوف كما تدل عليه اللام الموطئة وساد مسد جواب الشرط ثم أوضح سبحانه عجزهم عن المعارضة سواء كان المتصدي لها كل واحد منهم على الانفراد أو كان المتصدر بها المجموع بالمظاهرة فقال ﴿ ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ أي عونا ونصيرا وجواب لو محذوف والتقدير : ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا لا يأتون بمثله فثبت أنهم لا يأتون بمثله على كل حال وقد تقدم وجه إعجاز القرآن في أوائل سورة البقرة في هذه الآية رد لما قاله الكفار ﴿ لو نشاء لقلنا مثل هذا ﴾ وإكذاب لهم
ثم بين سبحانه أن الكفار مع عجزهم عن المعارضة استمروا على كفرهم وعدم إيمانهم فقال : ٨٩ - ﴿ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ﴾ أي رددنا القول فيه بكل مثل يوجب الاعتبار من الآيات والعبر والترغيب والترهيب والأوامر والنواهي وأقاصيص الأولين والجنة والنار والقيامة ﴿ فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾ يعني من أهل مكة فإنهم جحدوا وأنكروا كون القرآن كلام الله بعد قيام الحجة عليهم واقترحوا من الآيات ما ليس لهم وأظهر في مقام الإضمار حيث قال : فأبى أكثر الناس توكيدا أو توضيحا ولما كان أبى مؤولا بالنفي : أي ما قبل أو لم يرض صح الاستثناء منه قوله :﴿ إلا كفورا ﴾
٩٠ - ﴿ وقالوا لن نؤمن لك ﴾ أي قال رؤساء مكة كعتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي سفيان والنضر بن الحارث ثم علقوا نفي إيمانهم بغاية طلبوها فقالوا :﴿ حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ﴾ قرأ حمزة والكسائي وعاصم ﴿ حتى تفجر ﴾ مخففا مثل تقتل وقرأ الباقون بالتشديد ولم يختلفوا في ﴿ فتفجر الأنهار ﴾ أنها مشددة ووجه ذلك أبو حاتم بأن الأولى بعدها ينبوع وهو واحد والثانية بعدها الأنهار وهي جمع وأجيب عنه بأن الينبوع وإن كان واحدا في اللفظ فالمراد به الجمع فإن الينبوع العيون التي لا تنضب ويرد بأن الينبوع عين الماء والجمع الينابيع وإنما يقال للعين ينبوع إذا كانت غزيرة من شأنها النبوع من غير انقطاع والياء زائدة كيعبوب من عب الماء


الصفحة التالية
Icon