فـ ١٠٢ - ﴿ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء ﴾ يعني الآيات التي أظهرها وأنزل بمعنى أوجد ﴿ إلا رب السموات والأرض بصائر ﴾ أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته وانتصاب بصائر على الحال قرأ الكسائي بضم التاء من ﴿ علمت ﴾ على أنها لموسى وروي ذلك عن علي وقرأ الباقون بفتحها على الخطاب لفرعون ووجه القراءة الأولى أن فرعون لم يعلم ذلك وإنما علمه موسى ووجه قراءة الجمهور أن فرعون كان عالما بذلك كما قال تعالى :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾ قال أبو عبيد : المأخوذ به عندنا فتح التاء وهو الأصح للمعنى لأن موسى لا يقول علمت أنا وهو الداعي وروي نحو هذا عن الزجاج ﴿ وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ﴾ الظن هنا بمعنى اليقين والثبور الهلاك والخسران قال الكميت :

( ورأت قضاعة في الأيا من رأي مثبور وثابر )
أي مخسور وخاسر وقيل المثبور الملعون ومنه قول الشاعر :
( يا قومنا لا تروموا حزينا سفها إن السفاه وإن البغي مثبور )
أي ملعون ويل المثبور ناقص العقل وقيل هو الممنوع من الخير يقال ما ثبرك عن كذا : ما منعك منه حكاه أهل اللغة وقيل المسحور
١٠٣ - ﴿ فأراد أن يستفزهم من الأرض ﴾ أي أراد فرعون أن يخرج بني إسرائيل وموسى ويزعجهم من الأرض يعني أرض مصر بإبعادهم عنها وقيل أراد أن يقتلهم وعلى هذا يراد بالأرض مطلق الأرض وقد تقدم قريبا معنى الاستفزاز ﴿ فأغرقناه ومن معه جميعا ﴾ فوقع عليه وعليهم الهلاك بالغرق ولم يبق منهم أحدا
١٠٤ - ﴿ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ﴾ أي من بعد إغراقه ومن معه والمراد بالأرض هنا : أرض مصر التي أراد أن يستفزهم منها ﴿ فإذا جاء وعد الآخرة ﴾ أي الدار الآخرة وهو القيامة أو الكرة الآخرة أو الساعة الآخرة ﴿ جئنا بكم لفيفا ﴾ قال الجوهري : اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى يقال جاء القوم بلفهم ولفيفهم : أي بأخلاطهم فالمراد هنا جئنا بكم من قبوركم مختلطين من كل موضع قد اختلط المؤمن بالكافر قال الأصمعي : اللفيف جمع وليس له واحد وهو مثل الجمع


الصفحة التالية
Icon