قوله : ٩ - ﴿ أم حسبت ﴾ أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة عند الجمهور وببل وحدها عند بعضهم والتقدير : بل أحسبت أو بل حسبت ومعناها الانتقال من حديث إلى حديث آخر لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل والمعنى : أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان قال سبحانه : بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط ؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب فإن من كان قادرا على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء ثم جعل ما عليها صعيدا جرزا كأن لم تغن بالأمس لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة وإن كانت قصتهم خارقة للعادة فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك و ﴿ عجبا ﴾ منتصبة على أنه خبر كان : أي ذات عجب أو موصوفة بالعجب مبالغة ومن آياتنا في محل نصب على الحال
و ١٠ - ﴿ إذ أوى الفتية ﴾ ظرف لحسبت أو لفعل مقدر وهو اذكر : أي صاروا إليه وجعلوه مأواهم والفتية هم أصحاب الكهف والكهف هو الغار الواسع في الجبل فإن كان صغيرا سمي غارا والرقيم قال كعب والسدي : إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف وقال سعيد بن جبير ومجاهد : إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف قال الفراء : ويروى أنه إنما سمي رقيما لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه والرقم الكتابة وروي مثل ذلك عن ابن عباس ومنه قول العجاج في أرجوزة له :
( ومستقري المصحف الرقيم )
وقيل إن الرقيم اسم كلبهم وقيل هو اسم الوادي الذي كانوا فيه وقيل اسم الجبل الذي فيه الغار قال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله لأن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف ﴿ فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ﴾ أي من عندك ومن ابتدائية متعلقة بآتنا أو لمحذوف وقع حالا والتنوين في رحمة إما للتعظيم أو للتنويع وتقديم من لدنك للاختصاص : أي رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك وهي المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء والرزق في الدنيا ﴿ وهيئ لنا من أمرنا رشدا ﴾ أي أصلح لنا من قولك هيأت الأمر فتهيأ والمراد بأمرهم الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار والرشد نقيض الضلال ومن للابتداء ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك رأيت منك رشدا : وتقديم المجرورين للاهتمام بهما
١١ - ﴿ فضربنا على آذانهم ﴾ قال المفسرون : أنمناهم والمعنى : سددنا آذانهم بالنوم الغالب على سماع الأصوات والمفعول محذوف : أي ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيها للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها و ﴿ في الكهف ﴾ ظرف لضربنا وانتصاب ﴿ سنين ﴾ على الظرفية و ﴿ عددا ﴾ صفة لسنين : أي ذوات عدد على أنه مصدر أو بمعنى معدودة على أنه لمعنى المفعول ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة قال الزجاج : إن الشيء إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد وإن كثر احتاج إلى أن يعد وقيل يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾