قوله : ٢٧ - ﴿ واتل ما أوحي إليك ﴾ أمره الله سبحانه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحي إليه قيل ويحتمل أن يكون معنى قوله :﴿ واتل ﴾ واتبع أمرا من التلو لا من التلاوة و ﴿ من كتاب ربك ﴾ بيان للذي أوحي إليه ﴿ لا مبدل لكلماته ﴾ أي لا قادر على تبديلها وتغييرها وإنما يقدر على ذلك هو وحده قال الزجاج : أي ما أخبر الله به وما أمر به فلا مبدل له وعلى هذا يكون التقدير : لا مبدل لحكم كلماته ﴿ ولن تجد من دونه ملتحدا ﴾ الملتحد : الملتجأ وأصل اللحد : الميل قال الزجاج : لن تجد معدلا عن أمره ونهيه والمعنى : أنك إن لم تتبع القرآن وتتله وتعمل بأحكامه لن تجد معدلا تعدل إليه ومكانا تميل إليه وهذه الآية آخر قصة أهل الكهف
ثم شرح سبحانه في نوع آخر كما هو دأب الكتاب العزيز فقال : ٢٨ - ﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ﴾ قد تقدم في الأنعام نهيه صلى الله عليه و سلم عن طرد فقراء المؤمنين بقوله :﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربهم ﴾ وأمره سبحانه ههنا بأن يحبس نفسه معهم فصبر النفس هو حبسها وذكر الغداة والعشي كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات وقيل في طرفي النهار وقيل المراد صلاة العصر والفجر وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وابن عامر بالغدوة بالواو واحتجوا بأنها في المصحف كذلك مكتوبة بالواو قال النحاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ولا تكاد العرب تقول الغدوة ومعنى ﴿ يريدون وجهه ﴾ أنهم يريدون بدعائهم رضى الله سبحانه والجملة في محل نصب على الحال ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم فقال :﴿ ولا تعد عيناك عنهم ﴾ أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم قال الفراء : معناه لا تصرف عيناك عنهم وقال الزجاج : لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة واستعماله بعن لتضمنه معنى النبو من عدوته عن الأمر : أي صرفته منه وقيل معناه لا تحتقرهم عيناك ﴿ تريد زينة الحياة الدنيا ﴾ أي مجالسة أهل الشرف والغنى والجملة في محل نصب على الحال : أي حال كونك مريدا لذلك هذا إذا كان فاعل تريد هو النبي صلى الله عليه و سلم وإن كان الفاعل ضميرا يعود إلى العينين فالتقدير : مريدة زينة الحياة الدنيا وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز وتوحيد الضمير للتلازم كقول الشاعر :
( لمن زحلوقة زل... بها العينان تنهل )
﴿ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ﴾ أي جعلناه غافلا بالختم عليه نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلا عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد ﴿ وكان أمره فرطا ﴾ أي متجاوزا عن حد الاعتدال من قولهم : فرس فرط إذا كان متقدما للخيل فهو على هذا من الإفراط وقيل هو من التفريط وهو التقصير والتضييع قال الزجاج : ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه


الصفحة التالية
Icon