قوله ١٦ - ﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ هذا شروع في ابتداء خلق عيسى والمراد بالكتاب هذه السورة : أي اذكر يا محمد للناس في هذه السورة قصة مريم ويجوز أن يراد بالكتاب جنس القرآن وهذه السورة منه ولما كان الذكر لا يتعلق بالأعيان احتيج إلى تقدير مضاف يتعلق به الذكر وهو قصة مريم أو خبر مريم ﴿ إذ انتبذت ﴾ العامل في الظرف هو ذلك المضاف المقدر ويجوز أن يجعل بدل اشتمال من مريم لأن الأزمان مشتملة على ما فيها ويكون المراد بمريم خبرها وفي هذا الإبدال دلالة على تفخيم شأن الوقت لوقوع قصتها العجيبة فيه والنبذ الطرح والرمي قال الله سبحانه :﴿ فنبذوه وراء ظهورهم ﴾ والمعنى : أنها تنحت وتباعدت وقال ابن قتيبة : اعتزلت وقيل انفردت والمعاني متقاربة واختلفوا في سبب انتباذها فقيل لأجل أن تعبد الله سبحانه وقيل لتطهر من حيضها و ﴿ من أهلها ﴾ متعلق بانتبذت وانتصاب ﴿ مكانا شرقيا ﴾ على المفعولية للفعل المذكور : أي مكانا من جانب الشرق والشرق بسكون الراء : المكان الذي تشرق فيه الشمس وإنما خص المكان بالشرق لأنهم كانوا يعظمون جهة الشرق لأنها مطلع الأنوار حكى معناه ابن جرير
وقد اختلف الناس في نبوة مريم فقيل إنها نبية بمجرد هذا الإرسال إليها ومخاطبتها للملك وقيل لم تكن نبية لأنه إنما كلمها الملك وهو على مثال البشر وقد تقدم الكلام في هذه في آل عمران


الصفحة التالية
Icon