٢٥ - ﴿ وهزي إليك بجذع النخلة ﴾ الهز التحريك : يقال هزه فاهتز والباء في بجذع النخلة مزيدة للتوكيد : وقال الفراء : العرب تقول هزه وهز به والجذع هو أسفل الشجرة قال قطرب : كل خشبة في أصل شجرة فهي جذع ومعنى إليك : إلى جهتك وأصل تساقط تتساقط فأدغم التاء في السين وقرأ حمزة والأعمش تساقط مخففا وقرأ عاصم في رواية حفص والحسن بضم التاء مع التخفيف وكسر القاف وقرئ تتساقط بإظهار الناءين وقرئ بالتحتية مع تشديد السين وقرئ تسقط ويسقط وقرأ الباقون بإدغام التاء في السين فمن قرأ بالفوقية جعل الضمير للنخلة ومن قرأ بالتحتية جعل الضمير للجذع وانتصاب ﴿ رطبا ﴾ على بعض هذه القراءات للتمييز وعلى البعض الآخر على المفعولية لتساقط قال المبرد والأخفش : يجوز انتصاب رطبا بهزي : أي هزي إليك رطبا ﴿ جنيا ﴾ بجذع النخلة : أي على جذعها وضعفه الزمخشري والجني المأخوذ طريا وقيل هو ما طلب وصلح للاجتناء وهو فعيل بمعنى مفعول قال الفراء : الجني والمجني واحد وقيل هو فعيل بمعنى فاعل : أي رطبا طريا طيبا
٢٦ - ﴿ فكلي واشربي ﴾ أي من ذلك الرطب وذلك الماء أو من الرطب وعصيره وقدم الأكل مع أن ذكر النهر مقدم على الرطب لأن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء ثم قال ﴿ وقري عينا ﴾ قرأ الجمهور بفتح القاف وحكى ابن جرير أنه قرئ بكسرها قال : وهي لغة نجد والمعنى : طيبي نفسا وارفضي عنك الحزن وهو مأخوذ من القر والقرة وهما البرد والمسرور بارد القلب ساكن الجوارح وقيل المعنى : وقري عينا برؤية الولد الموهوب لك وقال الشيباني : معناه نامي قال أبو عمرو : أقر الله عينه : أي أنام عينه وأذهب سهره ﴿ فإما ترين من البشر أحدا ﴾ أصله ترءين : مثل تسمعين خففت الهمزة وسقطت النون للجزم وياء الضمير للساكنين بعد لحوق نون التوكيد ومثل هذا مع عدم لحون نون التوكيد قول ابن دريد :

( أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى )
وقرأ طلحة وشيبة ﴿ ترين ﴾ بسكون الياء وفتح النون مخففة قال أبو الفتح : وهي شاذة وجواب الشرط ﴿ فقولي إني نذرت للرحمن صوما ﴾ أي قولي إن طلب منك الكلام أحد من الناس إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا وقيل المراد به الصوم الشرعي وهو الإمساك عن المفطرات والأول أولى وفي قراءة أبي إني نذرت للرحمن صوما صمتا بالجمع بين اللفظين وكذا روي عن أنس وروي عنه أنه قرأ صوما وصمتا بالواو والذي عليه جمهور المفسرين أن الصوم هنا الصمت ويدل عليه ﴿ فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ومعنى الصوم في اللغة أوسع من المعنيين قال أبو عبيدة : كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم وقراءة أبي تدل على أن المراد بالصوم هنا الصمت لأنه تفسير للصوم وقراءة أنس تدل على أن الصوم هنا غير الصمت كما تفيده الواو ومعنى ﴿ فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ أنها لا تكلم أحدا من الإنس بعد إخبارهم بهذا الخبر بل إنما تكلم الملائكة وتناجي ربها وقيل إنها لم تخبرهم هنا باللفظ بل بالإشارة المقيدة للنذر
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾ قال : مكانا أظلها الشمس أن يراها أحد منهم وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم اتخذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذوا ميلاده قبلة وإنما سجدت اليهود على حرف حين نتق فوقهم الجبل فجعلوا ينحرفون وهم ينظرون إليه يتخوفون أن يقع عليهم فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها سنة وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود قالا : خرجت مريم بنت عمران إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذا هي برجل معها ﴿ فتمثل لها بشرا ﴾ ففزعت و ﴿ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها فنفخ في جنب درعها وكان مشقوقا من قدامها فدخلت النفخة صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة زكرياء ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقال امرأة زكرياء : يا مريم أشعرت أني حبلى قالت مريم : أشعرت أني حبلى فقالت امرأة زكرياء : فإني وجدت ما في بطني سجد للذي في بطنك فذلك قوله تعالى :﴿ مصدقا بكلمة من الله ﴾ فولدت امرأة زكرياء يحيى ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب ﴿ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ الآية ﴿ فناداها ﴾ جبريل ﴿ من تحتها أن لا تحزني ﴾ فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل أن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فـ ﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب ﴾ الآيات ولما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في مريم قال : حين حملت وضعت وأخرج ابن عساكر عنه قال : وضعت لثمانية أشهر وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ فأرسلنا إليها روحنا ﴾ قال : جبريل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن أبي بن كعب في الآية قال : تمثل لها روح عيسى في صورة بشر فحملته قال حملت الذي خاطبها دخل في فيها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ مكانا قصيا ﴾ قال : نائيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ إلى جذع النخلة ﴾ قال : كان جذعا يابسا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله :﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ قال : لم أخلق ولم أك شيئا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ قال : حيضة ملقاة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن نوف البكالي والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله :﴿ فناداها من تحتها ﴾ قال : الذي ناداها جبريل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : الذي ناداها من تحتها جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها وقد اختلفت الروايات عن السلف هل هذا المنادي هو جبريل أو عيسى وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال : قرأ عاصم بن أبي النجود ﴿ فناداها من تحتها ﴾ بالنصب قال : وقال عاصم من قرأ بالنصب فهو عيسى ومن قرأ بالخفض فهو جبريل وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن النجار عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ إن السري الذي قال الله لمريم ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ نهر أخرجه الله لها لتشرب منه ] وفي إسناده أيوب بن نهيك الجبلي قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف وقال أبو زرعة : منكر الحديث وقال أبو فتح الأزدي : متروك الحديث وقال الطبراني بعد إخراج هذا الحديث : إنه غريب جدا وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قال : النهر وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والحاكم وابن مردويه عن البراء قال في الآية : هو الجدول وهو النهر الصغير فظهر بهذا أن الموقوف أصح وقد روي عن جماعة من التابعين أن السري هو عيسى وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ رطبا جنيا ﴾ قال : طريا وأخرج ابن المنذر وابن مردويه في قوله :﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ قال : صمتا وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عنه أنه قرأ صوما صمتا


الصفحة التالية
Icon