قوله : ٦٤ - ﴿ وما نتنزل ﴾ أي قال الله سبحانه : قل يا جبريل وما نتنزل وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استبطأ نزول جبريل عليه فأمر جبريل أن يخبره بأن الملائكة ما تتنزل عليه إلا بأمر الله قيل احتبس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعين يوما وقيل خمسة عشر وقيل اثني عشر وقيل ثلاثة أيام وقيل إن هذا حكاية عن أهل الجنة وأنهم يقولون عند دخولها : وما نتنزل هذه الجنان ﴿ إلا بأمر ربك ﴾ والأول أولى بدلالة ما قبله ومعناه يحتمل وجهين : الأول وما نتنزل عليك إلا بأمر ربك لنا بالتنزل والثاني وما نتنزل عليك إلا بأمر ربك الذي يأمرك به بما شرعه لك ولأمتك والتنزل : النزول على مهل وقد يطلق على مطلق النزول ثم أكد جبريل ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم فقال :﴿ له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ﴾ أي من الجهات والأماكن أو من الأزمة الماضية والمستقبلة وما بينهما من الزمان أو المكان الذي نحن فيه فلا نقدر على أن ننتقل من جهة إلى جهة أو من زمان إلى زمان إلا بأمر ربك ومشيئته وقيل المعنى : له ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة وما بين ذلك وهو ما بين النفختين وقيل الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض وقيل ما مضى من أعمارنا وما غير منها والحالة التي نحن فيها وعلى هذه الأقوال كلها يكون المعنى : أن الله سبحانه هو المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة فلا نقدم على أمر إلا بإذنه وقال : وما بين ذلك ولم يقل وما بين ذينك لأن المراد : وما بين ما ذكرنا كما في قوله سبحانه :﴿ عوان بين ذلك ﴾ ﴿ وما كان ربك نسيا ﴾ أي لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي وقيل المعنى : إنه عالم بجميع الأشياء لا ينسى منها شيئا وقيل المعنى : وما كان ربك ينسى الإرسال إليك عند الوقت الذي يرسل فيه رسله
٦٥ - ﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ﴾ أي خالفهما وخالق ما بينهما ومالكهما ومالك ما بينهما ومن كان هكذا فالنسيان محال عليه ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم بعبادته والصبر عليها فقال :﴿ فاعبده واصطبر لعبادته ﴾ والفاء للسببية لأن كونه رب العالمين سبب موجب لأن يعبد وعدى فعل الصبر باللام دون على التي يتعدى بها لتضمنه معنى الثبات ﴿ هل تعلم له سميا ﴾ الاستفهام للإنكار والمعنى : أنه ليس له مثل ولا نظير حتى يشاركه في العبادة فيلزم من ذلك أن تكون غير خالصة له سبحانه فلما انتفى المشارك استحق الله سبحانه أن يفرد بالعبادة وتخلص له هذا مبني على أن المراد بالسمي هو الشريك في المسمى وقيل المراد به : الشريك في الإسم كما هو الظاهر من لغة العرب فقيل المعنى : إنه لم يسم شيء من الأصنام ولا غيرها بالله قط يعني بعد دخول الألف واللام التي عوضت عن الهمزة ولزمت وقيل المراد هل تعلم أحدا اسمه الرحمن غيره قال الزجاج : تأويله والله أعلم : هل تعلم له سميا يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون وعلى هذا لا سمي لله في جميع أسمائه لأن غيره وإن سمي بشيء من أسمائه فلله سبحانه حقيقة ذلك الوصف والمراد بنفي العلم المستفاد من الإنكار هنا نفي المعلوم على أبلغ وجه وأكمله