٧١ - ﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ الخطاب للناس من غير التفات أو للإنسان المذكور فيكون التفاتا : أي ما منكم من أحد إلا واردها : أي واصلها
وقد اختلف الناس في هذا الورود فقيل الورود الدخول ويكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم وقالت فرقة : الورود هو المرور على الصراط وقيل ليس الورود الدخول إنما هو كما يقول وردت البصرة ولم أدخلها وقد توقفت كثير من العلماء عن تحقيق هذا الورود وحمله على ظاهره لقوله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ قالوا : فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها ومما يدل على أن الورود لا يستلزم الدخول قوله تعالى :﴿ ولما ورد ماء مدين ﴾ فإن المراد أشرف عليه لا أنه دخل فيه ومنه قول زهير

( فلما وردن الماء زرقا حمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم )
ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط أو الورود على جهنم وهي خامدة فيه جمع بين الأدلة من الكتاب والسنة فينبغي حمل هذه الآية على ذلك لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار مع كون الداخل من المؤمنين مبعدا من عذابها أو بحمله على المضي فوق الجسر المنصوب علها وهو الصراط ﴿ كان على ربك حتما مقضيا ﴾ أي كان ورودهم المذكور أمرا محتوما قد قضى سبحانه أنه لا بد من وقوعه لا محالة وقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله وعند الأشاعرة أن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرق الخلف إليه
٧٢ - ﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ﴾ أي اتقوا ما يوجب النار وهو الكفر بالله ومعاصيه وترك ما شرعه وأوجب العمل به قرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة ﴿ ننجي ﴾ بالتخفيف من أنجى وبها قرأ حميد ويعقوب والكسائي وقرأ الباقون بالتشديد وقرأ ابن أبي ليلى ﴿ ونذر ﴾ بفتح الثاء من ثم والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم بفعل ما يوجب النار أو ظلموا غيرهم بمظلمة في النفس أو المال أو العرض والجثي جمع جاث وقد تقدم قريبا تفسير الجثي وإعرابه
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لجبريل [ ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ فنزلت ﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ إلى آخر الآية ] وزاد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وكان ذلك الجواب لمحمد وأخرج ابن مردويه من حديث أنس قال [ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله ؟ قال : ما أدري حتى أسأل فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه فقال : لقد أبطأت علي حتى ظننت أن بربي علي موجدة فقال : وما نتنزل إلا بأمر ربك ] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :[ أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه و سلم أربعين يوما ثم أنزل فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : ما نزلت حتى اشتقت إليك فقال له جبريل : أنا كنت إليك أشوق ولكني مأمور فأوحى الله إلى جبريل أن قل له ﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ ] وهو مرسل وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : أبطأت الرسل على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتاه جبريل فقال له :[ ما حبسك عني ؟ قال : وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تنقون براحمكم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون ؟ وقرأ ﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ ] وهو مرسل أيضا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ﴿ له ما بين أيدينا ﴾ قال من أمر الآخرة ﴿ وما خلفنا ﴾ قال : من أمر الدنيا ﴿ وما بين ذلك ﴾ قال : ما بين الدنيا والآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وما بين ذلك ﴾ قال : ما بين النفختين وأخرج ابن المنذر عن أبي العالية مثله وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي الدرداء رفع الحديث قال : ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا ﴿ وما كان ربك نسيا ﴾ وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ قال : هل تعرف للرب شبها أو مثلا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه ﴿ هل تعلم له سميا ﴾ ؟ قال : ليس أحد يسمى الرحمن غيره وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال : يا محمد هل تعلم لإلهك من ولد ؟ وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ ويقول الإنسان ﴾ قال : العاص بن وائل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جثيا ﴾ قال : قعودا وفي قوله :﴿ عتيا ﴾ قال : معصية وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ عتيا ﴾ قال : عصيا وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ ثم لننزعن ﴾ قال : لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال : نحشر الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعا ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرما ثم قرأ ﴿ فوربك لنحشرنهم ﴾ إلى قوله :﴿ عتيا ﴾ وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ قال : يقول إنهم أولى بالخلود في جهنم وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضنا يدخلونها جميعا ﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ﴾ فلقيت جابر بن عبد الله فذكرت له فقال وأهوى بأصبعه إلى أذنيه صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردها ﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾ ] وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال : خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس فقال ابن عباس : الورود الدخول وقال نافع لا فقرأ ابن عباس ﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ وقال : وردوا أم لا ؟ وقرأ :﴿ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ﴾ أوردوا أم لا ؟ أما أنا وأنت فسندخلها فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وأخرج الحاكم عن ابن مسعود في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ قال : وإن منكم إلا داخلها وأخرج هناد والطبراني عنه في الآية قال : وردوها الصراط وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وابن الأنباري وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ ليرد الناس كلهم النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرحل ثم كمشيه ] وقد روي نحو هذا من حديث ابن مسعود من طرق وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية قالت حفصة : أليس الله يقول :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ قالت : ألم تسمعيه يقول :﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ﴾ ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فليلج النار إلا تحلة القسم ] ثم قرأ سفيان ﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم فإن الله يقول :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ] والأحاديث في تفسير هذه الآية كثيرة جدا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ حتما مقضيا ﴾ قال : قضاء من الله وأخرج الخطيب في تالي التخليص عن عكرمة حتما مقضيا قال : قسما واجبا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾ قال : باقين فيها


الصفحة التالية
Icon