٨٤ - ﴿ فلا تعجل عليهم ﴾ بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر وعنادهم للحق وتمردهم عن داعي الله سبحانه ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله :﴿ إنما نعد لهم عدا ﴾ يعني نعد الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم وقيل نعد أنفاسهم وقيل خطواتهم وقيل لحظاتهم وقيل الساعات وقال قطرب : نعد أعمالهم وقيل المعنى : لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثما
ثم لما قرر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذ فقال : ٨٥ - ﴿ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ﴾ الظرف منصوب بفعل مقدر : أي اذكر يا محمد يوم الحشر وقيل منصوب بالفعل الذي بعده ومعنى حشرهم إلى الرحمن : حشرهم إلى جنته ودار كرامته كقوله :﴿ إني ذاهب إلى ربي ﴾ والوفد جمع وافد كالركب جمع راكب وصحب جمع صاحب يقال وفد يفد وفدا إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير كذا قال الجوهري
٨٦ - ﴿ ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾ السوق الحث على السير والورد العطاش قاله الأخفش وغيره وقال الفراء وابن الأعرابي : هم المشاة وقال الأزهري : هم المشاة العطاش كالإبل ترد الماء وقيل وردا : أي للورد كقولك جئتك إكراما : أي للإكرام وقيل أفرادا قيل لا تناقض بين هذه الأقوال فهم يساقون مشاة عطاشا أفرادا وأصل الورد الجماعة التي ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك والورد الماء الذي يورد
وجملة ٨٧ - ﴿ لا يملكون الشفاعة ﴾ مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور والضمير في يملكون راجع إلى الفريقين وقيل للمتقين خاصة وقيل للمجرمين خاصة والأول أولى ومعنى لا يملكون الشفاعة : أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم وقيل لا يملك غيرهم أن يشفع لهم والأول أولى ﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ هذا الاستثناء متصل على الوجه الأول : أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمنا متقيا فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله وقيل معنى اتخاذ العهد أن الله أمره بذلك كقولهم : عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به وقيل معنى اتخاذ العهد شهادة أن لا إله إلا الله وقيل غير ذلك وعلى الاتصال في هذا الاستثناء يكون محل من في من اتخذ الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع لأن التقدير : لا يملك المجرمون الشفاعة ﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ وهم المسلمون وقيل هو متصل على هذا الوجه أيضا والتقدير : لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلما