ثم توعدهم إذا لم يأتوه به فقال : ٦٠ - ﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ﴾ أي فلا أبيعكم شيئا فيما بعد وأما في الحال فقد أوفاهم كيلهم ومعنى لا تقربون : لا تدخلون بلادي فضلا عن أن أحسن إليكم وقيل معناه : لا أنزلكم عندي كما أنزلتكم هذه المرة ولم يرد أنهم لا يقربون بلاده وتقربون مجزوم إما على أن لا ناهية أو على أنها نافية وهو معطوف على محل الجزاء داخل في حكمه كأنه قال : فإن لم تأتوني تحرموا ولا تقربوا فلما سمعوا منه ذلك وعدوه بما طلبه منهم
٦١ - ف ﴿ قالوا سنراود عنه أباه ﴾ أي سنطلبه منه ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه وقيل معنى المراودة هنا : المخادعة منهم لأبيهم والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه ﴿ وإنا لفاعلون ﴾ هذه المراودة غير مقصرين فيها وقيل معناه : وإنا لقادرون على ذلك لا نتعانى به ولا نتعاظمه
٦٢ - ﴿ وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ﴾ قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم من رواية شعبة وابن عامر ﴿ لفتيانه ﴾ واختار هذه القراءة أبو حاتم والنحاس وغيرهما وقرأ سائر الكوفيين ﴿ لفتيانه ﴾ واختار هذه القراءة أبو عبيدة وفي مصحف عبد الله بن مسعود كالقراءة الآخرة قال النحاس : لفتيانه مخالف للسواد الأعظم ولا يترك السواد المجمع عليه لهذا الإسناد المنقطع وأيضا فإن فتية أشبه من فتيان لأن فتية عند العرب لأقل العدد وأمر القليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه والجملة مستأنفة جواب سؤال كأنه قيل : فما قال يوسف بعد وعدهم له بذلك ؟ فأجيب بأنه قال لفتيته قال الزجاج الفتية والفتيان في هذا الموضع المماليك وقال الثعلبي : هما لغتان جيدتان مثل الصبيان والصبية والمراد بالبضاعة هنا هي التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما فعل يوسف عليه السلام ذلك تفضلا عليهم وقيل فعل ذلك ليرجعوا إليه مرة أخرى لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمن قاله الفراء وقيل فعل ذلك ليستعينوا بها على الرجوع إليه لشراء الطعام وقيل إنه استقبح أن يأخذ من أبيه وأخوته ثمن الطعام ثم علل يوسف عليه السلام ما أمر به من جعل الضاعة في رحالهم بقوله :﴿ لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم ﴾ فجعل علة جعل البضاعة في الرحال هي معرفتهم لها إذا انقلبوا إلى أهلهم وذلك لأنهم لا يعلمون برد البضاعة إليهم إلا عند تفريغ الأوعية التي جعلوا فيها الطعام وهم لا يفرغونها إلا عند الوصول إلى أهلهم ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم المجعولة في رحالهم بقوله :﴿ لعلهم يرجعون ﴾ فإنهم إذا عرفوا ذلك وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا ثمن وأن ما دفعوه عوضا عنه قد رجع إليهم وتفضل به من وصلوا إليه عليهم نشطوا إلى العود إليه ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد والحاجة إلى الطعام وعدم وجوده لديهم فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع وبهذا يظهر أن يوسف عليه السلام لم يرد البضاعة إليهم إلا لهذا المقصد وهو رجوعهم إليه فلا يتم تعليل ردا بغير ذلك والرحال جمع رحل والمراد به هنا ما يستصحبه الرجل معه من الأثاث قال الواحدي : الرحل كل شيء معد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير ومجلس ورسن انتهى والمراد هنا الأوعيه التي يجعلون فيها ما يمتارونه من الطعام قال ابن الأنباري : يقال للوعاء رحل وللبيت رحل


الصفحة التالية
Icon