ثم لما فرغ سبحانه من الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال : ٨ - ﴿ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ﴾ أي أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم في حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون والجسد جسم الإنسان قال الزجاج : هو واحد يعني الجسد ينبئ عن جماعة : أي وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام فجملة لا يأكلون الطعام صفة لجسدا : أي وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الأكل بل هو محتاج إلى ذلك ﴿ وما كانوا خالدين ﴾ بل يموتون كما يموت غيرهم من البشر وقد كانوا يعتقدون أن الرسل لا يموتون فأجاب الله عليهم بهذا
وجملة ٩ - ﴿ ثم صدقناهم الوعد ﴾ معطوفة على جملة يدل عليها السياق والتقدير : أوحينا إليهم ما أوحينا ثم صدقناهم الوعد : أي أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم ولهذا قال سبحانه :﴿ فأنجيناهم ومن نشاء ﴾ من عبادنا المؤمنين والمراد إنجاؤهم من العذاب وإهلاك من كفر بالعذاب الدنيوي والمراد بـ ﴿ المسرفين ﴾ المجاوزون للحد في الكفر والمعاصي وهم المشركون
وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ وهم في غفلة معرضون ﴾ قال : في الدنيا وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في الآية قال : من أمر الدنيا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بل قالوا أضغاث أحلام ﴾ أي فعل الأحلام وإنما هي رؤيا رآها ﴿ بل افتراه بل هو شاعر ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه و سلم : إذا كان من ما تقوله حقا ويسرك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهبا فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا وإن شئت استأنيت بقومك قال : بل أستأني بقومي فأنزل الله ﴿ ما آمنت قبلهم ﴾ الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ﴾ يقول : لم نجعلهم جسدا ليس يأكلون الطعام إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام


الصفحة التالية
Icon