ثم أوعدهم وحذرهم ما جرى على الأمم المكذبة فقال : ١١ - ﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة ﴾ كم في محل نصب على أنها مفعول قصمنا وهي الخبرية المفيدة للتكثير والقصم كسر الشيء ودقه يقال : قصمت ظهر فلان إذا كسرته واقتصمت سنه إذا انكسرت والمعنى هنا : الإهلاك والعذاب وأما الفصم بالفاء فهو الصدع في الشيء من غير بينونة وجملة كانت ظالمة في محل جر صفة لقرية وفي الكلام مضاف محذوف : أي ولك قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين : أي كافرين بالله مكذبين بآياته والظلم في الأصل وضع الشيء في غير موضعه وهم وضعوا الكفر في موضع الإيمان ﴿ وأنشأنا بعدها قوما آخرين ﴾ أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاك أهلها قوما ليسوا منها
١٢ - ﴿ فلما أحسوا بأسنا ﴾ أي أدركوا أو رأوا عذابنا وقال الأخفش : خافوا وتوقعوا أو البأس العذاب الشديد ﴿ إذا هم منها يركضون ﴾ الركض الفرار والهرب والانهزام وأصله من ركض الرجل الدابة برجليه يقال ركض الفرس إذا كده بساقيهن ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا ومنه ﴿ اركض برجلك ﴾ والمعنى : أنهم يهربون منها راكضين دوابهم
فقيل لهم : ١٣ - ﴿ لا تركضوا ﴾ أي لا تهربوا قيل إن الملائكة كنادتهم عند فرارهم وقيل إن القائل لهم ذلك هم من هنالك من المؤمنين استهزاء بهم وسخرية منهم ﴿ وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ﴾ أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم وكفركم والمترف المنعم يقال أترف فلان : أي وسع عليه في معاشه ﴿ ومساكنكم ﴾ أي وارجعوا إلى مساكنكم التي كنتم تسكنونها وتفتخرون بها ﴿ لعلكم تسألون ﴾ أي تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات وهذا على طريقة التهكم بهم والتوبيخ لهم وقيل المعنى : لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به وقيل لعلكم تسألون أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول العذاب بكم قال المفسرون وأهل الأخبار : إن المراد بهذه الآية أهل حضور من اليمن وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبيا اسمه شعيب بن مهدم وقبره بجبل من جبال اليمن يقال له ضين وبينه وبين حضور نحو بريد قالوا : وليس هو شعيبا صاحب مدين قلت : وآثار القبر بجبل ضين موجودة والعامة من أهل تلك الناحية يزعمون أنه قبر قدم بن قادم
١٤ - ﴿ قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ أي قالوا لما قالت لهم الملائكة لا تركضوا يا ويلنا : أي بإهلاكنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا مستوجبين العذاب بما قدمنا فاعترفوا على أنفسهم بالظلم الموجب للعذاب
١٥ - ﴿ فما زالت تلك دعواهم ﴾ أي ما زالت هذه الكلمة دعواهم : أي دعوتهم والكلمة هي قولهم يا ويلنا أي يدعون بها ويرددونها ﴿ حتى جعلناهم حصيدا ﴾ أي بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل والحصيد هنا بمعنى المحصود ومعنى ﴿ خامدين ﴾ أنهم ميتون من خمدت النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار كما يقال لمن مات قد طفئ


الصفحة التالية
Icon