لما أبطل كون الأصنام نافعة أضرب عن ذلك منتقلا إلى بيان أن ما هم فيه من الخير والتمتع بالحياة العاجلة هو من عند الله لا من مانع يمنعهم من الهلاك ولا من ناصر ينصرهم على أسباب التمتع فقال : ٤٤ - ﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم ﴾ يعني أهل مكة متعهم الله بما أنعم عليهم ﴿ حتى طال عليهم العمر ﴾ فاغتروا بذلك وظنوا أنهم لا يزالون كذلك فرد سبحانه عليهم قائلا ﴿ أفلا يرون ﴾ أي أفلا ينظرون فيرون ﴿ أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ فنفتحها بلدا بعد بلد وأرضا بعد أرض وقيل ننقصها بالقتل والسبي وقد مضى في الرعد الكلام على هذا مستوفى والاستفهام في قوله :﴿ أفهم الغالبون ﴾ للإنكار والفاء للعطف على مقدر كنظائره : أي كيف يكونون غالبين بعد نقصنا لأرضهم من أطرافنا ؟ وفي هذا إشارة إلى أن الغالبين هم المسلمون
٤٥ - ﴿ قل إنما أنذركم بالوحي ﴾ أي أخوفكم وأحذركم بالقرآن وذلك شأني وما أمرني الله به وقوله :﴿ ولا يسمع الصم الدعاء ﴾ إما من تتمة الكلام الذي أمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يقوله لهم أو من جهة الله تعالى والمعنى : أن من أصم الله سمعه وختم على قلبه وجعل على بصره غشاوة لا يسمع الدعاء قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن السميفع ولا يسمع بضم الياء وفتح الميم على ما لم يسم فاعله وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن الحارث بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم : أي إنك يا محمد لا تسمع هؤلاء قال أبو علي الفارسي : ولو كان كما قال ابن عامر لكان إذا ما تنذرهم فيحسن نظم الكلام فأما ﴿ إذا ما ينذرون ﴾ فحسن أن يتبع قراءة العامة وقرأ الباقون بفتح الياء وفتح الميم ورفع الصم على أنه الفاعل
٤٦ - ﴿ ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ﴾ المراد بالنفحة القليل مأخوذ من نفح المسك قاله ابن كيسان ومنه قول الشاعر :
( وعمرة من سروات النسا | ء تنفح بالمسك أردانها ) |