ووصفهم بقوله : ٤٩ - ﴿ الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ لأن هذه الخشية تلازم التقوى لأن هذه الخشية تلازم التقوى ويجوز أن يكون الموصول بدلا من المتقين أو بيانا له ومحل بالغيب النصب على الحال : أي يخشون عذابه وهو غائب عنهم أو هم غائبون عنه لأنهم في الدنيا والعذاب في الآخرة وقرأ ابن عباس وعكرمة ضياء بغير واو قال الفراء حذفت الواو والمجيء بها واحد واعترضه الزجاج بأن الواو تجيء لمعنى فلا تزاد ﴿ وهم من الساعة مشفقون ﴾ أي وهم من القيامة خائفون وجلون
والإشارة بقوله : ٥٠ - ﴿ وهذا ذكر مبارك ﴾ إلى القرآن قال الزجاج : المعنى وهذا القرآن ذكر لمن تذكر به وموعظة لمن اتعظ به والمبارك كثير البركة والخير وقوله :﴿ أنزلناه ﴾ صفة ثانية للذكر أو خبر بعد خبر والاستفهام في قوله :﴿ أفأنتم له منكرون ﴾ للإنكار لما وقع منهم من الإنكار : أي كيف تنكرون كونه منزلا من عند الله مع اعترافكم بأن التوراة منزلة من عنده
٥١ -﴿ ولقد آتينا إبراهيم رشده ﴾ أي الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل ومعنى ﴿ من قبل ﴾ أنه أعطى رشده قبل إيتاء موسى وهرون التوراة وقال الفراء : المعنى أعطيناه هداه من قبل النبوة : أي وفقناه للنظر والاستدلال لما جن عليه فرأى الشمس والقمر والنجم وعلى هذا أكثر المفسرين وبالأول قال أقلهم ﴿ وكنا به عالمين ﴾ أنه موضع لإيتاء الرشد وأنه يصلح لذلك
والظرف في قوله : ٥٢ - ﴿ إذ قال لأبيه ﴾ متعلق بآتينا أو بمحذوف : أي اذكر حين قال : وأبوه هو آزر ﴿ وقومه ﴾ نمروذ ومن اتبعه والتماثيل الأصنام وأصل التمثال الشيء المصنوع مشابها لشيء من مخلوقات الله سبحانه يقال مثلث الشيء بالشيء : إذا جعلته مشابها له واسم ذلك الممثل تمثال أنكر عليهم عبادتها بقوله :﴿ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ﴾ والعكوف عبارة عن اللزوم والاستمرار على الشيء واللام في لها للاختصاص ولو كانت للتعدية لجيء بكلمة على : أي ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها ؟ وقيل إن العكوف مضمن معنى العبادة
٥٣ -﴿ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ﴾ أجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز والحبل الذي يتشبث به كل غريق وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء : أي وجدنا آباءنا يعبدونها فعبدناها اقتداء بهم ومشيا على طريقتهم وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة من أهل هذه الملة الإسلامية وإن العالم بالكتاب والسنة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأي المدفوع بالدليل قالوا هذا قد قال به إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين وبرأيه آخذين وجوابهم هو ما أجاب به الخليل ها هنا
٥٤ -﴿ قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴾ أي في خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد ولا يلتبس على ذي عقل فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر وليس بعد هذا الضلال ضلال ولا يساوي هذا الخسران خسران وهؤلاء المقلدة من أهل الإسلام استبدلوا بكتاب الله وبسنة رسوله كتابا قد دونت فيه اجتهادات عالم من علماء الإسلام زعم أنه لم يقف على دليل يخالفها إما لقصور منه أو لتقصير في البحث فوجد ذلك الدليل من وجده وأبرزه واضح المنار
( كأنه علم في رأسه نار )
وقال هذا كتاب الله أو هذه سنة رسوله وأنشدهم :