قوله : ٥٧ - ﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم ﴾ أخبرهم أنه سينتقل من المحاجة باللسان إلى تغيير المنكر بالفعل ثقة بالله سبحانه ومحاماة على دينه والكيد المكر : يقال كاده يكيده كيدا ومكيدة والمراد هنا الاجتهاد في كسر الأصنام : قيل إنه عليه الصلاة و السلام قال ذلك سرا وقيل سمعه رجل منهم ﴿ بعد أن تولوا مدبرين ﴾ أي بعد أن ترجعوا من عبادتها ذاهبين منطلقين قال المفسرون : كان لهم عيد في كل سنة يجتمعون فيه فقالوا لإبراهيم : لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبنك ديننا فقال إبراهيم هذه المقالة
والفاء في قوله : ٥٨ - ﴿ فجعلهم جذاذا ﴾ فصيحة : أي فولوا فجعلهم جذاذا : الجذ القطع والكسر يقال جذذت الشيء قطعته وكسرته الواحد جذاذة والجذاذ ما كسر منه قال الجوهري : قال الكسائي : ويقال لحجارة الذهب الجذاذ لأنها تكسر قرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن ﴿ جذاذا ﴾ بكسر الجيم : أي كسرا وقطعا جمع جذيذ : وهو الهشيم مثل خفيف وخفاف وظريف وظراف قال الشاعر :

( جذذ الأصنام في محرابها ذاك في الله العلي المقتدر )
وقرأ الباقون بالضم واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم : أي الحطام والرقاق فعال بمعنى مفعول وهذا هو الكيد الذي وعدهم به وقرأ ابن عباس وأبو السماك جذاذا بفتح الجيم ﴿ إلا كبيرا لهم ﴾ أي للأصنام ﴿ لعلهم إليه ﴾ أي إلى إبراهيم ﴿ يرجعون ﴾ فيحاجهم بما سيأتي فيحجهم وقيل لعلهم إلى الصنم الكبير يرجعون فيسألونه عن الكاسر لأن من شأن المعبود أن يرجع إليه في المهمات فإذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبرا فيعلمون حينئذ أنها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضررا ولا تعلم بخير ولا شر ولا تخبر عن الذي ينوبها من الأمر وقيل لعلهم إلى الله يرجعون وهو بعيد جدا


الصفحة التالية
Icon