٦٣ - ﴿ قال بل فعله كبيرهم هذا ﴾ أي قال إبراهيم مقيما للحجة عليهم مبكتا لهم بل فعله كبيرهم هذا مشيرا إلى الصنم الذي تركه ولم يكسره ﴿ فاسألوهم إن كانوا ينطقون ﴾ أي إن كانوا ممن يمكنه النطق ويقدر على الكلام ويفهم ما نفال له فيجيب عنه بما يطابقه ولا يصح في العقل أن يطلق عليه أنه إله فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم بما يوقعهم في الاعتراف بأن الجمادات التي عبدوها ليست بآلهة لأنهم إذا قالوا إنهم لا ينطقون قال لهم : فكيف تعبدون من يعجز عن النطق ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده في المكان الذي هو فيه ؟ فهذا الكلام من باب فرض الباطل مع الخصم حتى تلزمه الحجة ويعترف بالحق فإن ذلك أقطع لشبهته وأدفع لمكابرته وقيل أراد إبراهيم عليه السلام بنسبة الفعل إلى ذلك الكبير من الأصنام أنه فعل ذلك لأنه غار وغضب من أن يعبد وتعبد الصغار معه إرشادا لهم إلى أن عبادة هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تدفع لا تستحسن في العقل مع وجود خالقها وخالقهم والأول أولى وقرأ ابن السميفع بل فعله بتشديد اللام على معنى بل فلعل الفاعل كبيرهم
٦٤ - ﴿ فرجعوا إلى أنفسهم ﴾ أي رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته المتفطن لصحة حجة خصمه المراجع لعقله وذلك أنهم تنبهوا وفهموا عند هذه المقاولة بينهم وبين إبراهيم أن من لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإضرار بمن فعل به ما فعله إبراهيم بتلك الأصنام يستحيل أن يكون مستحقا للعبادة ولهذا ﴿ قالوا إنكم أنتم الظالمون ﴾ أي قال بعضهم لبعض : أنتم الظالمون لأنفسكم بعبادة هذه الجمادات وليس الظالم من نسبتم الظلم إليه بقولكم : إنه لمن الظالمين
٦٥ - ﴿ ثم نكسوا على رؤوسهم ﴾ أي رجعوا إلى جهلهم وعنادهم شبه سبحانه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه وقيل المعنى : أنهم طأطأوا رؤوسهم خجلة من إبراهيم وهو ضعيف لأنه لم يقل نكسوا رؤوسهم بفتح الكاف وإسناد الفعل إليهم حتى يصح هذا التفسير بل قال : نكسوا على رؤوسهم وقرئ نكسوا بالتشديد ثم قالوا بعد أن نكسوا مخاطبين لإبراهيم ﴿ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ أي قائلين لإبراهيم لقد علمت أن النطق ليس من شأن هذه الأصنام
فـ ٦٦ - ﴿ قال ﴾ إبراهيم مبكتا لهم ومزريا عليهم ﴿ أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ﴾ من النفع ﴿ ولا يضركم ﴾ بنوع من أنواع الضررز
ثم تضجر عليه السلام منهم فقال ٦٧ - ﴿ أف لكم ولما تعبدون من دون الله ﴾ وفي هذا تحقير لهم ولمعبوداتهم واللام في لكم لبيان المتأفف به : أي لكم ولآلهتكم والتأفف صوت يدل على التضجر ﴿ أفلا تعقلون ﴾ أي ليس لكم عقول تتفكرون بها فتعلمون هذا الصنع القبيح الذي صنعتموه