١٠٣ - ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ قرأ أبو جعفر وابن محيصن ﴿ لا يحزنهم ﴾ بضم الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون ﴿ لا يحزنهم ﴾ بفتح الياء وضم الزاي قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم والفزع الأكبر : أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب ﴿ وتتلقاهم الملائكة ﴾ أي تستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم ﴿ هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ أي توعدون به في الدنيا وتبشرون فيه هكذا قال جماعة من المفسرين إن المراد بقوله :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ﴾ إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح لا المسيح وعزير والملائكة وقال أكثر المفسرين : إنه لما نزل ﴿ إنكم وما تعبدون ﴾ الآية أتى ابن الزبعري إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد ألست تزعم أن عزيزا رجل صالح وأن عيسى رجل صالح وأن مريم امرأة صالحة ؟ قال بلى فقال : فإن الملائكة عيسى وعزيرا ومريم ويعبدون من دون الله فهؤلاء في النار فأنزل الله ﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ﴾ وسيأتي بيان من أخرج هذا قريبا إن شاء الله
١٠٤ - ﴿ يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ﴾ قرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري ﴿ نطوي ﴾ بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء وقرأ مجاهد ﴿ نطوي ﴾ بالتحتية المفتوحة مبنيا للفاعل على معنى يطوي الله السماء وقرأ الباقون ﴿ نطوي ﴾ بنون العظمة وانتصاب يوم قوله :﴿ نعيده ﴾ أي نعيده يوم نطوي السماء وقيل هو بدل من الضمير المحذوف في توعدون والتقدير : الذين كنتم توعدونه يوم نطوي وقيل بقوله لا يحزنهم الفزع وقيل بقوله تتلقاهم وقيل متعلق بمحذوف وهو اذكر وهذا أظهر وأوضح والطي ضد النشر وقيل المحو والمراد بالسماء الجنس والسجل الصحيفة : أي طيا كطي الطومار وقيل السجل الصك وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة وأصلها من السجل وهو الدلو يقال : ساجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :

( من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب )
وقرأ أبو زرعة بن عمرو وابن جرير السجل بضم السين والجيم وتشديد اللام وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام والطي في هذه الآية يحتمل معنيين : أحدهما الطي الذي هو ضد النشر ومنه قوله :﴿ والسماوات مطويات بيمينه ﴾ والثاني الإخفاء والتعمية والمحو لأن الله سبحانه يمحو ويطمس رسومها ويكدر نجومها وقيل السجل اسم ملك وهو الذي يطوي كتب بني آدم وقيل هو اسم كاتب لرسول الله صلى الله عليه و سلم والأول أولى قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحيى وخلف للكتب جميعا وقرأ الباقون للكتاب وهو متعلق بمحذوف حال من السجل : أي كطي السجل كائنا للكتب أو صفة له : أي الكائن للكتب فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة وأما على القراءة الثانية فالكتاب مصدر واللام للتعليل : أي كما يطوي الطومار للكتابة : أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وهذا على تقدير أن المراد بالطي المعنى الأول وهو ضد النشر ﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده ﴾ أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم وأخرجناهم إلى الأرض حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة فأول خلق مفعول نعيد مقدرا يفسره نعيده المذكور أو مفعول لـ بدأنا وما كافة أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده وعلى هذا الوجه يكون أول ظرف لبدأنا أو حال وإنما خص أول الخلق بالذكر تصويرا للإيجاد عن العدم والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على المبدأ لشمول الإمكان الذاتي لهما وقيل معنى الآية : نهلك كل نفس كما كان أول مرة وعلى هذا فالكلام متصل بقوله :﴿ يوم نطوي السماء ﴾ وقل المعنى نغير السماء ثم نعيدها مرة أخرى بعد طيها وزوالها والأول أولى وهو مثل قوله :﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ﴾ ثم قال سبحانه :﴿ وعدا علينا إنا كنا فاعلين ﴾ انتصاب وعدا على أنه مصدر : أي وعدنا وعدا علينا إنجازه والوفاء به وهو البعث والإعادة ثم أكد سبحانه ذلك بقوله :﴿ إنا كنا فاعلين ﴾ قال الزجاج : معنى إنا كنا فاعلين : إنا كنا قادرين على ما نشاء وقيل إنا كنا فاعلين ما وعدناكم ومثله قوله ﴿ كان وعده مفعولا ﴾


الصفحة التالية
Icon