والوجه الثاني أن المراد بقوله : ٩ - ﴿ ثاني عطفه ﴾ الإعراض : أي معرضا عن الذكر كذا قال الفراء والمفضل وغيرهما كقوله تعالى :﴿ ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ﴾ وقوله ﴿ لووا رؤوسهم ﴾ وقوله :﴿ أعرض ونأى بجانبه ﴾ واللام في ﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾ متعلق بتجادل : أي إن غرضه هو الإضلال عن السبيل وإن لم يعترف بذلك وقرئ ليضل بفتح الياء على أن تكون اللام هي لام العاقبة كأنه جعل ضلاله غاية لجداله وجملة ﴿ له في الدنيا خزي ﴾ مستأنفة مبينة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة والخزي الذل وذلك بما يناله من العقوبة في الدنيا من العذاب المعجل وسوء الذكر على ألسن الناس وقيل الخزي الدنيوي هو القتل كما وقع في يوم بدر ﴿ ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾ أي عذاب النار المحرقة
والإشارة بقوله : ١٠ - ﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم من العذاب الدنيوي والأخروي وهو مبتدأ خبره ﴿ بما قدمت يداك ﴾ والباء للسببية : أي ذلك العذاب النازل بك بسبب ما قدمته يداك من الكفر والمعاصي وعبر باليد عن جملة البدن لكون مباشرة المعاصي تكون بها في الغالب ومحل أن وما بعدها في قوله :﴿ وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾ الرفع على أنها خبر مبتدإ محذوف : أي والأمر أنه سبحانه لا يعذب عباده بغير ذنب وقد مر الكلام على هذه الآية في آخر آل عمران فلا نعيده
١١ - ﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف ﴾ هذا بيان لشقاق أهل الشقاق قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : الحرف الشك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه مثل حرف الجبل والحائط فإن القائم عليه غير مستقر والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه فقيل للشاك في دينه إنه يعبد الله على حرف لأنه على غير يقين من وعده ووعيده بخلاف المؤمن لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف وقيل الحرف الشرط : أي ومن الناس من يعبد الله على شرط والشرط هو قوله :﴿ فإن أصابه خير اطمأن به ﴾ أي خير دنيوي من رخاء وعافية وخصب وكثرة مال ومعنى اطمأن به ثبت على دينه واستمر على عبادته أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه ﴿ وإن أصابته فتنة ﴾ أي شيء يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله أو ماله أو نفسه ﴿ انقلب على وجهه ﴾ أي ارتد ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر ثم بين حاله بعد انقلابه على وجهه فقال ﴿ خسر الدنيا والآخرة ﴾ أي ذهبا منه وفقدهما فلاحظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن ولا في الآخرة من الأجر وما أعده الله للصالحين من عباده وقرأ مجاهد وحميد بن قيس والأعرج والزهري وابن أبي إسحاق خاسرا الدنيا والآخرة على صيغة اسم الفاعل منصوبا على الحال وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف والإشارة بقوله : ذلك إلى خسران الدنيا والآخرة وهو مبتدأ وخبره ﴿ ذلك هو الخسران المبين ﴾ أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله


الصفحة التالية
Icon