٢٢ - ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها ﴾ أي من النار ﴿ أعيدوا فيها ﴾ أي في النار بالضرب بالمقامع و ﴿ من غم ﴾ بدل من الضمير في منها بإعادة الجار أو مفعول له : أي لأجل غم شديد من غموم النار ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ هو بتقدير القول : أي أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق : أي العذاب المحرق وأصل الحريق الاسم من الاحتراق تحرق الشيء بالنار واحترق حرقة واحتراقا والذوق مماسة يحصل معها إدراك الطعم وهو هنا توسع والمراد به إدراك الألم قال الزجاج : وهذا لأحد الخصمين وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون
٢٣ - ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ فبين سبحانه حال المؤمنين بعد بيانه لحال الكافرين ثم بين الله سبحانه بعض ما أعده لهم من النعيم بعد دخولهم الجنة فقال :﴿ يحلون فيها ﴾ قرأ الجمهور ﴿ يحلون ﴾ بالتشديد والبناء للمفعول وقرئ مخففا : أي يحليهم الله أو الملائكة بأمره ومن في قوله :﴿ من أساور ﴾ للتبعيض : أي يحلون بعض أساور أو للبيان أو زائدة ومن في ﴿ من ذهب ﴾ للبيان والأساور جمع أسورة والأسورة جمع سوار وفي السوار لغتان : كسر السين وضمها وفيه لغة ثالثة وهي أسوار قرأ نافع وابن كثير وعاصم وشيبة ﴿ ولؤلؤا ﴾ بالنصب عطف على محر أساور : أي ويحلون لؤلؤا أو بفعل مقدر بنصبه وهكذا قرأ بالنصب يعقوب والجحدري وعيسى بن عمر وهذه القراءة هي الموافقة لرسم المصحف فإن هذا الحرف مكتوب فيه بالألف وقرأ الباقون بالجر عطفا على أساور : أي يحلون من أساور ومن لؤلؤ ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت كما أن فيها أساور من ذهب ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ أي جميع ما يلبسونه حرير كما تفيده هذه الإضافة ويجوز أن يراد أن هذا النوع من الملبوس الذي كان محرما عليهم في الدنيا حلال لهم في الآخرة وأنه من جملة ما يلبسونه فيها ففيها ما تشتهيه الأنفس وكل واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه وينال ما يريده
٢٤ - ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ أي أرشدوا إليه قيل هو لا إله إلا الله وقيل الحمد لله وقيل القرآن وقيل هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا وهو قوله سبحانه :﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده ﴾ الحمد لله الذي هدانا لهذا ﴿ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ومعنى ﴿ وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة أو صراط الله الذي هو دينه القويم وهو الإسلام
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرأون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران ﴿ والذين أشركوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إن الله يفصل بينهم ﴾ قال : الأديان ستة فخمسة للشيطان ودين الله عز و جل وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود والصابئون : ليس لهم كتاب والمجوس : أصحاب الأصنام والمشركون : نصارى العرب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية ﴿ هذان خصمان ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر وهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة قال علي : وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة وأخرج البخاري وغيره من حديث علي وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه وهكذا روي عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قطعت لهم ثياب من نار ﴾ قال : من نحاس وليس من الآنية شيء إذا حمى أشد حرا منه وفي قوله :﴿ يصب من فوق رؤوسهم الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم وقوله :﴿ يصهر به ما في بطونهم ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية ﴿ يصب من فوق رؤوسهم الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان ] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يصهر به ما في بطونهم ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم وفي قوله :﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾ قال : يضربون بها فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ لو أن مقمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ] وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها ثم قرأ ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ﴾ وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من ليس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ] وفي الباب أحاديث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ قال : ألهموا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل ابن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله الذي قال ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب ﴾