قرأ أبو عمرو وابن كثير يدفع وقرأ الباقون يدافع وصيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عله القراءة الأخرى وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيرا مثل عاقبت اللص ونحو ذلك وقد قدمنا تحقيقه وقيل إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة وقيل للدلالة على تكرر الواقع والمعنى : يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين وقيل يعلي حجتهم وقيل يوفقهم والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين وأنه المتولي للمدافعة عنهم وجملة ٣٨ - ﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾ مقررة لضمون الجملة الأولى فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له قال الزجاج : من ذكر غير اسم الله وتقرب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوان كفور وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك في الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم
أو كفر دون كفرهم ٣٩ - ﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ﴾ قرىء أذن مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول وكذلك يقاتلون قرىء مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول وعلى كلا القرائتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال أو قاتلهم المشركون قاتلوهم قال المفسرون : كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بألسنتهم وأيديهم فيشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقول لهم :[ اصبروا فإني لم أومر بالقتال ] حتى هاجر فأنزل الله سبحانه هذه الآية بالمدينة وهي أول آية نزلت في القتال وهذه الآية مقررة أيضا لمضمون قوله :﴿ إن الله يدافع ﴾ فإن إباحة القتال لهم هي من جملة دفع الله عنهم والباء في ﴿ بأنهم ظلموا ﴾ للسببية : أي بسبب أنهم ظلموا بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد ثم وعدهم سبحانه النصر على المشركين فقال :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وفيه تأكيد لما مر من المدافعة أيضا
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله : ٤٠ - ﴿ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ﴾ ويجوز أن يكون بدلا من الذين يقاتلون أو في محل نصب على المدح أو محل رفع بإضمار مبتدأ والمراد بالديار مكة ﴿ إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ قال سيبويه : هو استثناء منقطع : أي لكن لقولهم ربنا الله أيأخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم ربنا الله وقال الفراء والزجاج : هو استثناء متصل والتقدير الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا الله فيكون مثل قوله سبحانه :﴿ وما تنقم منا إلا أن آمنا ﴾ وقول النابغة :

( ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب )
﴿ ولولا دفع الله الناس ﴾ قرأ نافع ﴿ ولولا دفع ﴾ وقرأ الباقون ﴿ ولولا دفع ﴾ والمعنى : لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وذهبت مواضع العبادة من الأرض ومعنى ﴿ لهدمت ﴾ لخربت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل فالصوامع : هي صوامع الرهبان وقيل صوامع الصابئين والبيع : جمع بيعة وهي كنيسة النصارى والصلوات هي كنائس اليهود واسمها بالعبرانية صلوثا بالمثلثة فعربت والمساجد هي مساجد المسلمين وقيل المعنى : لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن محمد المساجد قال ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية وقيل المعنى : ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة وقيل لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار وقيل غير ذلك والصوامع : جمع صومعة وهي بناء مرتفع يقال صمع الثريدة : إذا رفع رأسها ورجع أصمع القلب : أي حاد الفطنة والأصمع من الرجال : الحديد القول وقيل الصغير الأذن ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام وقد ذكر ابن عطية في صلوات تسع قراءات ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجودا والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره وقيل المراد به المعنى المجازي وهو تعطلها من العبادة وقرئ ﴿ لهدمت ﴾ بالتشديد وانتصاب كثيرا في قوله :﴿ يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾ على أنه صفة لمصدر محذوف : أي ذكرا كثيرا أو وقتا كثيرا والجملة صفة للمساجد وقيل لجميع المذكورات ﴿ ولينصرن الله من ينصره ﴾ اللام هي جواب لقسم محذوف : أي والله لينصر الله من ينصره والمراد بمن ينصر الله من ينصر دينه وأولياءه والقوي القادر على الشيء والعزيز الجليل الشريف قاله الزجاج وقيل الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع


الصفحة التالية
Icon