ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال : ٦٦ - ﴿ وهو الذي أحياكم ﴾ بعد أن كنتم جمادا ﴿ ثم يميتكم ﴾ عند انقضاء أعماركم ﴿ ثم يحييكم ﴾ عند البعث للحساب والعقاب ﴿ إن الإنسان لكفور ﴾ أي كثير الجحود لنعم الله عليه مع كونها ظاهرة غير مستترة ولا ينافي هذا خروج بعض الأفراد عن هذا الجحد لأن المراد وصف جميع الجنس بوصف من يوجد فيه ذلك من أفراده مبالغة
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمان الفارسي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ من مات مرابطا أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين واقرأوا إن شئتم ﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾ إلى قوله :﴿ حليم ﴾ ] وإسناد ابن أبي حاتم هكذا : حدثنا المسيب بن واضح حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن عبد الكريم بن الحارث عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال : قال شرحبيل بن السمط : طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم فمر بي سلمان : يعني الفارسي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابي أنه كان برودس فمروا بجنازتين أحدهما قتيل والآخر متوفى فمال الناس عن القتيل فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا : هذا القتيل في سبيل الله فقال : والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله ﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾ الآية وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا : حدثنا أبو زرعة عن زيد بن بشر أخبرني ضمام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المغافري يقولان : كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره قلت : ويؤيد هذا قول الله سبحانه :﴿ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله :﴿ ومن عاقب بمثل ما عوقب به ﴾ قال : إن النبي صلى الله عليه و سلم بعث سرية في ليلتين بقيتا من المحرم فلقوا المشركين فقال المشركون بعضهم لبعض : قاتلوا أصحاب محمد فإنهم يحرمون القتال في الشهر الحرام وإن أصحاب محمد ناشدوهم وذكروهم بالله أن يعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام إلا من بادأهم وإن المشركين بدأوا فقاتلوهم فاستحل الصحابة قتالهم عند ذلك فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم وهو مرسل وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ ومن عاقب ﴾ الآية قال : تعاون المشركون على النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فأخرجوه فوعده الله أن ينصره وهو في القصاص أيضا وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ﴾ قال : الشيطان وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ إن الإنسان لكفور ﴾ قال : يعد المصيبات وينسي النعم
٦٩ - ﴿ الله يحكم بينكم ﴾ أي بين المسلمين والكافرين ﴿ يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾ من أمر الدين فيتبين حينئذ الحق من الباطل وفي هذه الآية تعليم لهذه الأمة بما ينبغي لهم أن يجيبوا به من أراد الجدال بالباطل وقيل إنها منسوخة بآية السيف
وجملة ٧٠ - ﴿ ألم تعلم ﴾ مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها والاستفهام للتقرير : أي قد علمت يا محمد وتيقنت ﴿ أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ﴾ ومن جملة ذلك ما أنتم فيه مختلفون إن ذلك الذي في السماء والأرض من معلوماته ﴿ في كتاب ﴾ أي مكتوب عنده في أم الكتاب ﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾ أي إن الحكم منه سبحانه بين عباده فيما يختلفون فيه يسير عليه غير عسير أو إن إحاطة علمه بما في السماء والأرض يسير عليه
٧١ - ﴿ ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ﴾ هذا حكاية لبعض فضائحهم : أي إنهم يعبدون أصناما لم يتمسكوا في عبادتها بحجة نيرة من الله سبحانه ﴿ وما ليس لهم به علم ﴾ من دليل عقل يدل على جواز ذلك بوجه من الوجوه ﴿ وما للظالمين من نصير ﴾ ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله وقد تقدم الكلام على هذه الآية في آل عمران


الصفحة التالية
Icon