١٨ - ﴿ وأنزلنا من السماء ماء ﴾ هذا من جملة ما امتن الله سبحانه به على خلقه والمراد بالماء ماء المطر فإن به حياة الأرض وما فيها من الحيوان ومن جملة ذلك ماء الأنهار النازلة من السماء والعيون والآباء المستخرجة من الأرض فإن أصلها من ماء السماء وقيل أراد سبحانه في هذه الآية الأنهار الأربعة : سيحان وجيحان والفرات والنيل ولا وجه لهذا التخصيص وقيل المراد به الماء العذب ولا وجه لذلك أيضا فليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء ومعنى ﴿ بقدر ﴾ بتقدير منا أو بمقدار يكون به صلاح الزرائع والثمار فإنه لو كثر لكان به هلاك ذلك ومثله قوله سبحانه :﴿ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾ ومعنى ﴿ فأسكناه في الأرض ﴾ جعلناه مستقرا فيها ينتفعون به وقت حاجتهم إليه كالماء الذي يبقى في المستنقعات والغدران ونحوها ﴿ وإنا على ذهاب به لقادرون ﴾ أي كما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على أن نذهب به بوجه من الوجوه ولهذا التنكير حسن موقع لا يخفى وفي هذا تهديد شديد لما يدل عليه من قدرته سبحانه على إذهابه وتغويره حتى يهلك الناس بالعطش وتهلك مواشيهم ومثله قوله :﴿ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ﴾
ثم بين سبحانه ما يتسبب عن إنزال الماء فقال ١٩ - ﴿ فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب ﴾ أي أوجدنا بذلك الماء جنات من النوعين المذكورين ﴿ لكم فيها ﴾ أي في هذه الجنات ﴿ فواكه كثيرة ﴾ تتفكهون بها وتتطمعون منها وقيل المعنى : ومن هذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعاشكم كقوله : فلان يأكل من حرفة كذا وهو بعيد واقتصر سبحانه على النخيل والأعناب لأنها الموجودة بالطائف والمدينة وما يتصل بذلك كذا قال ابن جرير وقيل لأنها أشرف الأشجار ثمرة وأطيبها منفعة وطعما ولذة قيل المعني بقوله :﴿ لكم فيها فواكه ﴾ أن لكم في هذه الجنات فواكه من غير العنت والنخيل وقيل : المعنى لكم في هذين النوعين خاصة فواكه لأن فيهما أنواعا مختلفة متفاوتة في الطعم واللون
وقد اختلف أهل الفقه في لفظ الفاكهة على ماذا يطلق ؟ اختلافا كثيرا وأحسن ما قيل إنها تطلق على الثمرات التي يأكلها الناس وليست بقوت لهم ولا طعام ولا إدام واختلف في البقول هل تدخل في الفاكهة أم لا ؟


الصفحة التالية
Icon