ثم أمره أن يسأل ربه ما هو أنفع له وأتم فائدة فقال : ٢٩ - ﴿ وقل رب أنزلني منزلا مباركا ﴾ أي أنزلني في السفينة قرأ الجمهور ﴿ منزلا ﴾ بضم الميم وفتح الزاي على أنه مصدر وقرأ زر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل بفتح الميم وكسر الزاي على أنه اسم مكان فعلى القراءة الأولى : أنزلني إنزالا مباركا وعلى القراءة الثانية : أنزلني مكانا مباركا قال الجوهري : والمنزل بفتح الميم والزاي النزول وهو الحلول تقول نزلت نزولا ومنزلا قال الشاعر :
( أإن ذكرتك الدار منزلها جمل | بكيت فدمع العين منحدر سجل ) |
والإشارة بقوله : ٣٠ - ﴿ إن في ذلك ﴾ إلى ما تقدم مما قصه الله علينا من أمر نوح عليه السلام : والآيات الدلالات على كمال قدرته سبحانه والعلامات التي يستدل بها على عظيم شأنه ﴿ وإن كنا لمبتلين ﴾ أي لمختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي للناس أو الملائكة وقيل المعنى : إنه يعاملهم سبحانه معاملة المختبر لأحوالهم تارة بالإرسال وتارة بالعذاب
٣١ - ﴿ ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ﴾ أي من بعد إهلاكهم قال أكثر المفسرين : إن هؤلاء الذين أنشأهم الله بعدهم هم عاد قوم هود لمجيء قصتهم على إثر قصة نوح في غير هذا الموضع ولقوله في الأعراف ﴿ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ﴾ وقيل هم ثمود لأنهم الذين أهلكوا بالصيحة وقد قال سبحانه في هذه القصة ﴿ فأخذتهم الصيحة ﴾ وقيل هم أصحاب مدين قوم شعيب لأنهم ممن أهلك بالصحية
٣٢ - ﴿ فأرسلنا فيهم رسولا ﴾ عدى فعل الإرسال يفي مع أنه يتعدى بإلى للدلالة على أن هذا الرسول المرسل إليهم نشأ فيهم بين أظهرهم يعرفون مكانه ومولده ليكون سكونهم إلى قوله أكثر من سكونهم إلى من يأتيهم من غير مكانهم وقيل وجه التعدية للفعل المذكور بفي أنه ضمن معنى القول : أي قلنا لهم على لسان الرسول ﴿ اعبدوا الله ﴾ ولهذا جيء بأن المفسرة والأول أولى تضمين أرسلنا معنى قلنا لا يستلزم تعديته بفي وجملة ﴿ ما لكم من إله غيره ﴾ تعليل للأمر بالعبادة ﴿ أفلا تتقون ﴾ عذابه الذي يقتضيه شرككم