٤٨ - ﴿ فكذبوهما ﴾ أي فأصروا على تكذيبهما ﴿ فكانوا من المهلكين ﴾ بالغرق في البحر
ثم حكى سبحانه ما جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوهم فقال : ٤٩ - ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب ﴾ يعني التوراة وخص موسى بالذكر لأن التوراة أنزلت عليه في الطور وكان هارون خليفته في قومه ﴿ لعلهم يهتدون ﴾ أي لعل قوم موسى يهتدون بها إلى الحق ويعملون بما فيها من الشرائع فجعل سبحانه إيتاء موسى إياها إيتاء لقومه لأنها وإن كانت منزلة على موسى فهي لإرشاد قومه وقيل إن ثم مضافا محذوفا أقيم المضاف إليه مقامه : أي آتينا قوم موسى الكتاب وقيل إن الضمير في لعلهم يرجع إلى فرعون وملائه وهو وهم لأن موسى لم يؤت التوراة إلا بعد إهلاك فرعون وقومه كما قال سبحانه :﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ﴾
ثم أشار سبحانه إلى قصة عيسى إجمالا فقال : ٥٠ - ﴿ وجعلنا ابن مريم وأمه آية ﴾ أي علامة تدل على عظيم قدرتنا وبديع صنعنا وقد تقدم الكلام على هذا في آخر سورة الأنبياء في تفسير قوله سبحانه :﴿ وجعلناها وابنها آية للعالمين ﴾ ومعنى قوله :﴿ وآويناهما إلى ربوة ﴾ إلى مكن مرتفع : أي جعلناهما يأويان إليها قيل هي أرض دمشق وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب ومقاتل وقيل بيت المقدس قاله قتادة وكعب وقيل أرض فلسطين قاله السدي ﴿ ذات قرار ﴾ أي ذات مستقر يستقر عليه ساكنوه ﴿ ومعين ﴾ أي وماء معين قال الزجاج : هو الماء الجاري في العيون فالميم على هذا زائدة كزيادتها في منبع وقيل هو فعيل بمعنى مفعول قال علي بن سليمان الأخفش معن الماء إذا جرى فهو معين وممعون : وكذا قال ابن الأعرابي وقيل هو مأخوذ من الماعون وهو النفع وبمثل ما قال الزجاج قال الفراء
٥١ - ﴿ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ﴾ قال الزجاج : هذه المخاطبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا وقيل إن هذه المقالة خوطب بها كل نبي لأن هذه طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها فيكون المعنى : وقلنا يا أيها الرسل خطابا لكل واحد على انفراده لاختلاف أزمنتهم وقال ابن جرير : إن الخطاب لعيسى وقال الفراء : هو كما تقول للرجل الواحد كفوا عنا والطيبات : ما يستطاب ويستلذ وقيل هي الحلال وقيل هي ما جمع الوصفين المذكورين ثم بعد أن أمرهم بالأكل من الطيبات أمرهم بالعمل الصالح فقال :﴿ واعملوا صالحا ﴾ أي عملا صالحا وهو ما كان موافقا للشرع ثم علل هذا الأمر بقوله :﴿ إني بما تعملون عليم ﴾ لا يخفى علي شيء منه وإني مجازيكم على حسب أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر


الصفحة التالية
Icon