وقال أكثر أهل اللغة : هما لغتان بمعنى ٨٥ - ﴿ قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ﴾ أي لا تفتؤ فحذف حرف النفي لعدم اللبس قال الكسائي : فتأت وفتئت أفعل كذا : أي ما زالت وقال الفراء : إن لا مضمرة : أي لا تفتأ قال النحاس : والذي قال صحيح وقد روي عن الخليل وسيبويه مثل قول الفراء وأنشد الفراء محتجا على ما قاله :
( فقلت يمين الله أبرح قاعدا... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي )
ويقال فتىء وفتأ لغتان ومنه قول الشاعر :
( فما فتئت حتى كأن غبارها... سرادق يوم ذي رياح ترفع )
﴿ حتى تكون حرضا ﴾ الحرض مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والصفة المشبهة حرض بكسر الراء كدنف ودنف وأصل الحرض : الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم حكي ذلك عن أبي عبيدة وغيره ومنه قول الشاعر :
( سرى همي فأمرضني... وقد ما زادني مرضا )
( كذاك الحب قبل اليو... م مما يورث الحرضا )
وقيل الحرض : ما دون الموت وقيل الهرم وقيل الحارض : البالي الدائر وقال الفراء : الحارض : الفاسد الجسم والعقل وكذا الحرض وقال مؤرج : هو الذائب من الهم ويدل عليه قول الشاعر :
( إني امرؤلج بي حب فأحرضني... حتى بليت وحتى شفني السقم )
ويقال رجل محرض ومنه قول الشاعر :
( طلبته الخيل يوما كاملا... ولو ألفته لأضحى محرضا )
قال النحاس : وحكى أهل اللغة أحرضه الهم : إذا أسقمه ورجل حارض : أي أحمق وقال الأخفش : الحارض الذاهب وقال ابن الأنباري : هو الهالك والأولى تفسير الحرض هنا بغير الموت والهلاك من هذه المعاني المذكورة حتى يكون لقوله ﴿ أو تكون من الهالكين ﴾ معنى غير معنى الحرض فالتأسيس أولى من التأكيد ومعنى من الهالكين : من الميتين وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه
٨٦ - ﴿ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ هذه الجملة مستأنفة كأنه قيل فما قال يعقوب لما قالوا له ما قالوا ؟ والبث : ما برد على الإنسان من الأشياء التي يعظم حزن صاحبها بها حتى لا يقدر على إخفائها كذا قال أهل اللغة وهو مأخوذ من بثثه : أي فرقته فسميت المصيبة بثا مجازا قال ذو الرمة :
( وقفت على ربع لمية يا فتى | فما زلت أبكي عنده وأخاطبه ) |
( وأسقيه حتى كاد مما أبثه | تكلمني أحجاره وملاعبه ) |