ثم بين سبحانه أن دعوة نبيه صلى الله عليه و سلم ليست مشوبة بأطماع الدنيا فقال : ٧٢ - ﴿ أم تسألهم خرجا ﴾ وأم هي المنقطعة والمعنى : أم يزعمون أنك تسألهم خرجا تأخذه عن الرسالة والخرج الأجر والجعل فتركوا الإيمان بك وبما جئت به لأجل ذلك مع أنهم يعلمون أنك لم تسألهم ذلك ولا طلبته منهم ﴿ فخراج ربك خير ﴾ أي فرزق ربك الذي يرزقك في الدنيا وأجره الذي يعطيكه في الآخرة خير لك مما ذكر قرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب ﴿ أم تسألهم خرجا ﴾ وقرأ الباقون ﴿ خرجا ﴾ وكلهم وقرأ ﴿ فخراج ﴾ إلا ابن عامر وأبا حيوة فإنهما قرآ ﴿ فخرج ﴾ بغير ألف والخرج هو الذي يكون مقابلا للدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك خرجا والخراج غالب في الضريبة على الأرض قال المبرد : الخرج المصدر والخراج الاسم قال النضر بن شميل : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخراج ما لزمك والخرج ما تبرعت به وروي عنه أنه قال : الخرج من الرقاب والخراج من الأرض ﴿ وهو خير الرازقين ﴾ هذه الجملة مقررة لما قبلها من كون خراجه سبحانه خير
ثم لما أثبت سبحانه لرسوله من الأدلة الواضحة المقتضية لقبول ما جاء به ونفى عنه أضداد ذلك قال : ٧٣ - ﴿ وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ﴾ أي إلى طريق واضحة تشهد العقول بأنها مستقيمة غير معوجة والصراط في اللغة الطريق فسمي الدين طريقا لأنها تؤدي إليه
ثم وصفهم سبحانه بأنهم على خلاف ذلك فقال : ٧٤ - ﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ﴾ يقال : نكب عن الطريق ينكب نكوبا : إذا عدل عنه وما إلى غيره والنكوب والنكب العدول والميل ومنه النكباء للريح بين ريحين سميت بذلك لعدولها عن المهاب وعن الصراط متعلق بناكبون والمعنى : أن هؤلاء الموصوفين بعدم الإيمان بالآخرة عن ذلك الصراط أو جنس الصراط لعادلون عنه
ثم بين سبحانه أنه مصرون على الكفر لا يرجعون عنه بحال فقال : ٧٥ - ﴿ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ﴾ أي من قحط وجدب ﴿ للجوا في طغيانهم ﴾ : أي لتمادوا في طغيانهم وضلالهم ﴿ يعمهون ﴾ يترددون ويتذبذبون ويخبطون وأصل اللجاج التمادي في العناد ومنه اللجة بالفتح لتردد الصوت ولجة البحر تردد أمواجه ولجة الليل تردد ظلامه وقيل المعنى لوردناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار وامتحناهم للجوا في طغيانهم


الصفحة التالية
Icon