ثم بين سبحانه أنه قد بالغ في الاحتجاج عليهم فقال : ٩٠ - ﴿ بل أتيناهم بالحق ﴾ أي الأمر الواضح الذي يحق اتباعه ﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ فيما ينسبونه إلى الله سبحانه من الولد والشريك
ثم نفاهما عن نفسه فقال : ٩١ - ﴿ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ﴾ من في الموضعين زائدة لتأكيد النفي ثم بين سبحانه ما يستلزمه ما يدعيه الكفار مع إثبات الشريك فقال :﴿ إذا لذهب كل إله بما خلق ﴾ وفي الكلام حذف تقديره ولو كان مع الله آلهة لانفرد كل إله بخلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الآخر ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب ﴿ ولعلا بعضهم على بعض ﴾ أي غلب القوي عى الضعيف وقهره وأخذ ملكه كعادة الملوك من بني آدم وحينئذ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلها وإذا تقرر عدم إمكان المشاركة في ذلك وأنه لا يقوم به إلا واحد تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه وهذا الدليل كما دل على نفي الشريك فإنه يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه ثم نزه سبحانه نفسه فقال :﴿ سبحان الله عما يصفون ﴾ أي من الشريك والولد وإثبات ذلك لله عز و جل
٩٢ - ﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ أي هو مختص بعلم الغيب والشهادة وأما غيره فهو وإن علم الشهادة لا يعلم الغيب قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي ﴿ عالم ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هو عالم وقرأ الباقون بالجر على أنه صفة لله أو بدل منه وروي عن يعقوب أنه كان يخفض إذا وصل ويرفع إذا ابتدأ ﴿ فتعالى ﴾ الله ﴿ عما يشركون ﴾ معطوف على معنى ما تقدم كأنه قال : عالم الغيب فتعالى كقولك : زيد شجاع فعظمت منزلته : أي شجع فعظمت أو يكون على إضمار القول : أي أقول فتعالى الله والمعنى : أنه سبحانه متعال عن أن يكون له شريك في الملك
٩٣ - ﴿ قل رب إما تريني ما يوعدون ﴾ أي إن كان ولا بد أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل لهم
٩٤ - ﴿ رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ﴾ أي قل يا رب فلا تجعلني قال الزجاج : أي إن أنزلت بهم النقمة يا رب فاجعلني خارجا عنهم ومعنى كلامه هذا أن النداء معترض وما في إما زائدة : أي قل رب إن تريني والجواب فلا تجعلني وذكر الرب مرتين مرة قبل الشرط : ومرة بعده مبالغة في التضرع وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله في القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبدا تعليما له صلى الله عليه و سلم من ربه كيف يتواضع ؟ وقيل يهضم نفسه أو لكون شؤم الكفر قد يلحق من لم يكن من أهله كقوله :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾
ثم لما كان المشركون ينكرون العذاب ويسخرون من النبي صلى الله عليه و سلم إذا ذكر لهم ذلك أكد سبحانه وقوعه بقوله : ٩٥ - ﴿ وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ﴾ أي أن الله سبحانه قادر على أن يري رسوله عذابهم ولكنه يؤخره لعلمه بأن بعضهم سيؤمن أو لكون الله سبحانه لا يعذبهم والرسول فيهم وقيل قد أراه الله سبحانه ذلك يوم بدر ويوم فتح مكة


الصفحة التالية
Icon