ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال ٣ - ﴿ وهو الذي مد الأرض ﴾ قال الفراء بسطها طولا وعرضا وقال الأصم : إن المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه وعذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها ﴿ وجعل فيها رواسي ﴾ أي جبالاص ثوابت واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها : أي تثبت والإرساء : الثبوت قال عنترة :
( فصرت عارفة لذلك حرة | ترسو إذا نفس الجبان تطلع ) |
( أحبها والذي أرسى قواعده | حتى إذا ظهرت آياته بطنا ) |
٤ - ﴿ وفي الأرض قطع متجاورات ﴾ هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات قيل وفي الكلام حذف : أي قطع متجاورات في قوله ﴿ سرابيل تقيكم الحر ﴾ أي وتقيكم البرد قيل والمتجاورات : المدن وما كان عامرا وغير المتجاورات : الصحارى وما كان غير عامر وقيل المعنى : متجاورات متدانيات ترابها واحد وماؤها واحد وفيها زرع وجنات ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلوا والبعض حامضا والبعض طيبا والبعض غير طيب والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر ﴿ وجنات من أعناب ﴾ الجنات : البساتين قرأ الجمهور برفع جنات على تقدير : وفي الأرض جنات فهو معطوف على قطع متجاورات أو على تقدير : وبينها جنات وقرأ الحسن بالنصب على تقدير : وجعل فيها جنات وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل لأنه يكون في الخارج كثيرا كذلك ومثله في قوله سبحانه ﴿ جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ﴾ ﴿ صنوان وغير صنوان ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ﴿ وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ﴾ برفع هذه الأربع عطفا على جنات وقرأ الباقون بالجر عطفا على أعناب وقرأ مجاهد والسلمي بضم الصاد من صنوان وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان قال أبو عبيدة صنوان : جمع صنو وهو أن يكون الأصل واحدا ثم يتفرع فيصير نخيلا ثم يحمل وهذا قول جميع أهل اللفة والتفسير قال ابن الأعرابي : الصنو : المثل ومنه قوله صلى الله عليه و سلم [ عم الرجل صنو أبيه ] فمعنى الآية على هذا : أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون قال في الكشاف : و الصنوان جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد وقيل الصنوان المجتمع وغير الصنوان المتفرق النحاس : وهو كذلك في اللغة يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر : صنوان والصنو : المثل ولا فرق بين التثنية والجنع إلا بكسر النون في المثنى وبما يقتضيه الإعراب في الجمع ﴿ يسقى بماء واحد ﴾ قرأ عاصم وابن عامر :﴿ يسقى ﴾ بالتحتية : أي يسقى ذلك كله وقرأ الباقون بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو قال أبو عمرو : التأنيث أحسن لقوله :﴿ ونفضل بعضها على بعض في الأكل ﴾ ولم يقل بعضه وقرأ حمزة والكسائي ﴿ نفضل ﴾ بالتحتية كما في قوله ﴿ يدبر الأمر يفصل الآيات ﴾ وقرأ الباقون بالنون على تقدير : ونحن نفضل
وفي هذا من الدلالة على بديع صنعه وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل في الثمرات في الأكل فيكون طعم بعضها حلوا والآخر حامضا وهذا في غاية الجودة وهذا ليس بجيد وهذا فائق في حسنه وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا لسببين : إما اختلاف المكان الذي هو المنبت أو اختلاف الماء الذي تسقى به فإذا كان المكان متجاورا وقطع الأرض متلاصقة والماء الذي تسقى به واحدا لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب ولهذا قال الله سبحانه ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾ أي يعملون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ المر ﴾ قال : أنا الله أرى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ﴿ المر ﴾ فواتح يفتتح بها كلامه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله :﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ قال : التوراة والإنجيل ﴿ والذي أنزل إليك من ربك الحق ﴾ قال : القرآن وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه : وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ رفع السماوات بغير عمد ترونها ﴾ قال : وما يدريك لعلها بعمد لا ترونها وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : يقول لها عمد ولكن لا ترونها : يعني الأعماد وأخرج ابن جرير عن إياس بن معاوية في الآية قال : السماء مقببة على الأرض مثل القبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السماء على أربعة أملاك كل زاوية موكل بها ملك وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في قوله :﴿ لأجل مسمى ﴾ قال : الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ يدبر الأمر ﴾ قال : يقضيه وحده وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : الدنيا مسيرة خمسمائة عام : أربعمائة خراب ومائة عمران في أيدي المسلمين من ذلك مسيرة سنة وقد روي عن جماعة من السلف في ذلك تقديرات لم يأت عليها دليل يصح وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : أي رب تجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث فأرسل الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون فكان إقرارها كاللحم ترجرج وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله ﴿ جعل فيها زوجين اثنين ﴾ قال : ذكرا وأنثى من كل صنف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ﴿ يغشي الليل النهار ﴾ أي يلبس الليل النهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ وفي الأرض قطع متجاورات ﴾ قال : يريد الأرض الطيبة العذبة التي يخرج نباتها بإذن ربها تجاورها السبخة القبيحة المالحة التي لا تخرج وهما أرض واحدة وماؤها شيء واحد ملح أو عذب ففضلت إحداهما على الأخرى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : قرئ متجاورات قريب بعضها من بعض وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : الأرض تنبت حلوا والأرض تنبت حامضا وهي متجاورات تسقى بماء واحد وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب في قوله :﴿ صنوان وغير صنوان ﴾ قال : الصنوان ما كان أصله واحدا وهو متفرق وغير صنوان التي تنبت وحدها وفي لفظ : صنوان النخلة في النخلة ملتصقة وغير صنوان النخل المتفرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ صنوان ﴾ قال : مجتمع النخل في أصل واحد ﴿ وغير صنوان ﴾ قال : النخل المتفرق وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ ونفضل بعضها على بعض في الأكل ﴾ قال : الدقل والفارسي والحلو والحامض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هذا حامض وهذا حلو وهذا دقل وهذا فارسي