لما فرغ سبحانه من ذكر جهالة الجاهلين وضلالتهم أتبعه بذكر طرف من دلائل التوحيد مع ما فيها من عظيم الإنعام فأولها الاستدلال بأحوا الظل فقال : ٤٥ - ﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ﴾ هذه الرؤية إما بصرية والمراد بها ألم تبصر إلى صنع ربك أو ألم تبصر إلى الظل كيف مده ربك وإما قلبية بمعنى العلم فإن الظل متغير وكل متغير حادث ولكل حادث موجد قال الزجاج ﴿ ألم تر ﴾ ألم تعلم وهذا من رؤية القلب قال : وهذا الكلام على القلب والتقدير : ألم تر إلى الظل كيف مده ربك : يعني الظل من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وهو ظل لا شمس معه وبه قال الحسن وقتادة وقيل هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها قال أبو عبيدة : الظل بالغداة الفيء بالعشي لأنه يرجع بعد زوال الشمس سمي فيئا لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب قال حميد بن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة :

( فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق )
وقال ابن السكيت : الظل ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس وحكى أبو عبيدة عن رؤية قال : كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل انتهى وحقيقة الظل أنه أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة وهذا المتوسط هو أعدل من الطرفين لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس والضوء الكامل لقوته يبهر الحس البصري ويؤذي بالتسخين ولذلك وصفت الجنة به بقوله ﴿ وظل ممدود ﴾ وجملة ﴿ ولو شاء لجعله ساكنا ﴾ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه : أي شاء لمنع الشمس الطلوع والأول أولى والتعبير بالسكون عن الإقامة والاستقرار سائغ ومنه قولهم : سكن فلان بلد كذا : إذا أقام به واستقر فيه وقوله :﴿ ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ﴾ معطوف على قوله : مد الظل داخل في حكمه : أي جعلناها علامة يستدل بها بأحوالها ويمتد ويتقلص


الصفحة التالية
Icon