٥٠ - ﴿ ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ﴾ ضمير صرفناه ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل : أي كررنا أحوال الإظلال وذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا ﴿ فأبى أكثر الناس ﴾ هم إلا كفران النعمة وجحدها وقال آخرون : إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر : أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة فنزيد في بعض البلدان وننقص في بعض آخر منها وقيل الضمير راجع إلى القرآن وقد جرى ذكره في أول السورة حيث قال :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ﴾ وقوله :﴿ لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ﴾ وقوله ﴿ اتخذوا هذا القرآن مهجورا ﴾ والمعنى : ولقد كررنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ليذكروا به ويعتبروا بما فيه فأبى أكثرهم ﴿ إلا كفورا ﴾ به وقيل هو راجع إلى الريح وعلى رجوع الضمير إلى المطر فقد اختلف في معناه فقيل ما ذكرناه وقيل صرفناه بينهم وابلا وطشا وطلا ورذاذا وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات قال عكرمة : إن المراد بقوله :﴿ فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾ هو قولهم : في الأنواء مطرنا بنوء كذا وقرأ عكرمة صرفناه مخففا وقرأ الباقون بالتثقيل وقرأ حمزة والكسائي ﴿ ليذكروا ﴾ مخففة الذال من الذكر وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر
٥١ - ﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ﴾ أي رسولا ينذرهم كما قسمنا المطر بينهم ولكنا لم نفعل ذلك بل جعلنا نذيرا واحدا وهو أنت يا محمد فقابل ذلك بشكر النعمة
٥٢ - ﴿ فلا تطع الكافرين ﴾ فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم بل اجتهد في الدعوة واثبت فيها والضمير في قوله :﴿ وجاهدهم به جهادا كبيرا ﴾ راجع إلى القرآن : أي جاهدهم بالقرآن واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي وقيل الضمير يرجع إلى الإسلام وقيل بالسيف والأول أولى وهذه السورة مكية والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة وقيل الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله :﴿ فلا تطع الكافرين ﴾ وقيل الضمير يرجع إلى ما دل عليه قوله :﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ﴾ لأنه سبحانه لو بعث في كل قرية نذيرا لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى وهو محمد صلى الله عليه و سلم فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات فكبر جهاده وعظم وصار جامعا لكل مجاهدة ولا يخفى ما في هذين الوجهين من البعد ثم ذكر سبحانه دليلا رابعا على التوحيد


الصفحة التالية
Icon