وانتصاب ٧٦ - ﴿ خالدين فيها ﴾ على الحال : أي مقيمين فيها من غير موت ﴿ حسنت مستقرا ومقاما ﴾ أي حسنت الغرفة مستقرا يستقرون فيه ومقاما يقيمون به وهذا في مقابل ما تقدم من قوله :﴿ ساءت مستقرا ومقاما ﴾
٧٧ - ﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ﴾ بين سبحانه أنه غني عن طاعة الكل وإنما كلفهم لينتفعوا بالتكليف يقال ما عبأت بفلان : أي ما باليت به ولا له عندي قدر وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل قال الخليل : ما أعبأ بفلان : أي ما أصنع به كأنه يستقله ويستحقره ويدعي أن وجوده وعدمه سواء وكذا قال أبو عبيدة قال الزجاج : ما يعبأ بكم ربي يريد : أي وزن يكون لكم عنده والعبء : الثقل عندي أن موضع ما نصب والتقدير : أي : عبء يعبأبكم أي : أي مبالاة يبالي بكم ﴿ لولا دعاؤكم ﴾ : أي لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وعلى هذا فالمصدر الذي هو الدعاء مضاف إلى مفعوله وهو اختيار الفراء وفاعله محذوف وجواب لولا محذوف : تقديره لولا دعاؤكم لم يعبأ بكم ويؤيد هذا قوله :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ والخطاب لجميع الناس ثم خص الكفار منهم فقال ﴿ فقد كذبتم ﴾ وقرأ ابن الزبير فقد كذب الكافرون وفي هذه القراءة دليل بين على أن الخطاب لجميع الناس وقيل إن المصدر مضاف إلى الفاعل : أي لولا استغاثتكم إليه في الشدائد وقيل المعنى : ما يعبأ بكم : أي بمغفرة ذنوبكم لولا دعاؤكم الآلهة معه وحكى ابن جني أن ابن عباس قرأ كقراءة ابن الزبير وحكى الزهراوي والنحاس أن ابن مسعود قرأ كقراءتهما وممن قال بأن الدعاء مضاف إلى الفاعل القتيبي والفارسي قالا : والأصل لولا دعاؤكم الآلهة معه وحكى ابن جني أن ابن عباس قرأ كقراءة ابن الزبير وحكى الزهراوي والنحاس أن ابن مسعود قرأ كقراءتهما وممن قال بأن الدعاء محذوف تقديره على هذا الوجه : لولا دعاؤكم لم يعذبكم ويكون معنى فقد كذبتم على الوجه الأول فقد كذبتم بما دعيتم إليه وعلى الوجه الثاني : فقد كذبتم بالتوحيد ثم قال سبحانه ﴿ فسوف يكون لزاما ﴾ أي فسوف يكون جزاء التكذيب لازما لكم وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا : ما لزم المشركين يوم بدر وقالت طائفة : هو عذاب الآخرة قال أبو عبيدة : لزاما فيصلا : أي فسوف فيصلا بينكم وبين المؤمنين قال الزجاج : فسوف يكون تكذيبكم لزاما يلزمكم فلا تعطون التوبة وجمهور القراء على كسر اللام من لزاما وأنشد أبو عبيدة لصخر :

( فاما ينجوا من خسف أرض فقد لقيا حتوفهما لزاما )
قال ابن جرير لزاما : عذابا دائما وهلاكا مفنيا يلحق بعضكم ببعض كقول أبي ذؤيب :
( ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللفيف )
يعني باللزام الذي يتبع بعضه بعضا وباللفيف المتساقط من الحجارة المنهدمة وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال : سمعت أبا السماك يقرأ لزاما بفتح اللام قال أبو جعفر يكون مصدر لزم والكسر أولى
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :[ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الذنب أكبر ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ] فأنزل الله تصديق ذلك ﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾ وأخرجا وغيرهما أيضا عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا صلى الله عليه و سلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت ﴿ والذين لا يدعون ﴾ الآية ونزلت ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو في قوله :﴿ يلق أثاما ﴾ قال : واد في جهنم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾ الآية اشتد ذلك على المسلمين فقالوا : ما منا أحد إلا أشرك وقتل وزنى فأنزل الله ﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ الآية يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا في الشرك ثم نزلت هذه الآية ﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ﴾ فأبدلهم الله بالكفر الإسلام وبالمعصية الطاعة وبالإنكار المعرفة وبالجهالة العلم وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم سنين ﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ﴾ ثم نزلت ﴿ إلا من تاب وآمن ﴾ فما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرح بشيء قط فرحه بها وفرحه بـ ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ﴾ قال : هم المؤمنون الذين كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن ذلك فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات وأخرج أحمد وهناد وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ يؤتى الرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال : عملت يوم كذا كذا وهو يقر ليس ينكر وهو مشفق من الكبائر أن تجيء فيقال : أعطوه بكل سيئة عملها حسنة ] والأحاديث في تكفير السيئات وتبديلها بالحسنات كثيرة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ والذين لا يشهدون الزور ﴾ قال : إن الزور كان صنما بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مروا به مروا كراما لا ينظرون إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ﴾ قال : يعنون من يعمل بالطاعة فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة ﴿ واجعلنا للمتقين إماما ﴾ قال : أئمة هدى يهتدى بنا ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال لأهل السعادة ﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ﴾ ولأهل الشقاوة ﴿ وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ﴾ وأخرج الحكيم الترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ أولئك يجزون الغرفة ﴾ قال : الغرفة من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ﴾ يقول : لولا إيمانكم فأخبر الله أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كانت له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين ﴿ فسوف يكون لزاما ﴾ قال : موتا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري عنه أنه كان يقرأ - فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما - وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه قرأها كذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه ﴿ فسوف يكون لزاما ﴾ قال : القتل يوم بدر وفي الصحيحين عنه قال : خمس قد مضين : الدخان والقمر واللزوم والبطشة واللزام


الصفحة التالية
Icon