لما سمع فرعون قول موسى وهارون ﴿ إنا رسول رب العالمين ﴾ قال مستفسرا لهما عن ذلك عازما على الاعتراض لما قالاه فقال : ٢٣ - ﴿ وما رب العالمين ﴾ أي أي شيء هو ؟ جاء في الاستفهام بما التي يستفهم بها عن المجهول ويطلب بها تعيين الجنس
فلما قال فرعون ذلك ٢٤ - ﴿ قال ﴾ موسى ﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ﴾ فعين له ما أراد بالعالمين وترك جواب ما سأل عنه فرعون لأنه سأله عن جنس رب العالمين ولا جنس له فأجابه موسى بما يدل على عظيم القدرة الإلهية التي تتضح لكل سامع أنه سبحانه الرب ولا رب غيره ﴿ إن كنتم موقنين ﴾ أي إن كنتم موقنين بشيء من الأشياء فهذا أولى بالإيقان
٢٥ - ﴿ قال ﴾ فرعون ﴿ لمن حوله ألا تستمعون ﴾ أي لمن حوله من الأشراف ألا تستمعون ما قاله يعني موسى معجبا لهم من ضعف المقالة كأنه قال : أتسمعون وتعجبون وهذا من اللغني مغالطة لما لم يجد جوابا عن الحجة التي أوردها عليه موسى فلما سمع موسى ما قال فرعون أورد عليه حجة أخرى هي مندرجة تحت الحجة الأولى ولكنها أقرب إلى فهم السامعين له
فـ ٢٦ - ﴿ قال ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ فأوضح لهم أن فرعون مربوب لا رب كما يدعيه والمعنى : أن هذا الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلق آباءكم الأولين وخلقكم فكيف تعبدون من هو ماحد منكم مخلقو كخلقكم وله آباء قد فنوا كآبائكم فلم يجبه فرعون عند ذلك بشيء يعتد به بل جاء بما يشكك قومه ويخيل إليهم أن هذا الذي قاله موسى مما لا يقوله العقلاء
فـ ٢٧ - ﴿ قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ﴾ قاصدا بذلك المغالطة وإيقاعهم في الحيرة مظهرا أنه مستخف بما قاله موسى مستهزئ به فأجابه موسى عند ذلك بما هو تكميل لجوابه الأول
فـ ٢٨ - ﴿ قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ﴾ ولم يشتغل موسى بدفع ما نسبه إليه من الجنون بل بين لفرعون شمول ربوبية الله سبحانه للمشرق والمغرب وما بينهما وإن كان ذلك داخلا تحت ربوبيته سبحانه للسموات والأرض وما بينهما لكن في تصريح بإسناد حركات السموات وما فيها وتغيير أحوالها وأوضاعها تارة بالنور وتارة بالظلمة إلى الله سبحانه وتثنية الضمير في وما بينهما الأول لجنسي السموات والأرض كما في قول الشاعر :

( تنقلت في أشرف التنقل بين رماحي نهشل ومالك )
﴿ إن كنتم تعقلون ﴾ أي شيئا من الأشياء أو إن كنتم من أهل العقل : أي إن كنت يا فرعون ومن معك من العقلاء عرفت وعرفوا أنه لا جواب لسؤالك إلا ما ذكرت لك ثم إن اللعين لما انقطع عن الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب


الصفحة التالية
Icon