٦ - فقال :﴿ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ﴾ أي لم يكن لهم شهداء يشهدون بما رموهن من الزنا إلا أنفسهم بالرفع على البدل من شهداء قيل ويجوز النصب على خبر يكن قال الزجاج : أو على الاستثناء على الوجه المرجوح ﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ قرأ الكوفيون برفع ﴿ أربع ﴾ على أنها خبر لقوله :﴿ فشهادة أحدهم ﴾ أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو أربع بالنصب على المصدر ويكون ﴿ فشهادة أحدهم ﴾ خبر مبتدأ محذوف : أي فالواجب شهادة أحدهم أو مبتدأ محذوف الخبر : أي فشهادة أحدهم واجبة وقيل إن ﴿ أربع ﴾ منصوب بتقدير : فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات وقوله :﴿ بالله ﴾ متعلق بشهادة أو بشهادات وجملة ﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ هي المشهود به وأصله على أنه فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل منها
٧ - ﴿ والخامسة ﴾ قرأ السبعة وغيرهم ﴿ الخامسة ﴾ بالرفع على الابتداء وخبرها ﴿ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ﴾ وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص ﴿ والخامسة ﴾ بالنصب على معنى وتشهد الشهادة الخامسة ومعنى ﴿ إن كان من الكاذبين ﴾ أي فيما رماها به من الزنا قرأ الجمهور بتشديد أن من قوله :﴿ أن لعنة الله ﴾ وقرأ نافع بتخفيفها فعلى قراءة نافع يكون اسم أن ضمير الشأن ولعنة الله مبتدأ وعليه خبره والجملة خبر أن وعلى قراءة الجمهور تكون لعنة الله اسم أن قال سيبويه : لا تخفف أن في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة وقال الأخفش : لا أعلم الثقيلة إلا أجود في العربية
﴿ ويدرأ عنها العذاب ﴾ أي عن المرأة والمراد بالعذاب : الدنيوي وهو الحد وفاعل يدرأ قوله :﴿ أن تشهد أربع شهادات بالله ﴾ والمعنى : أنه يدفع عن المرأة الحد شهادتها أربع شهادات بالله : أن الزوج
﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ﴾ جواب لولا محذوف قال الزجاج : المعنى ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم ثم بين سبحانه كثير توبته على من تاب وعظيم حكمته البالغة فقال :﴿ وأن الله تواب حكيم ﴾ أي يعود على من تاب إليه ورجع عن معاصيه بالتوبة عليه والمغفرة له حكيم فيما شرع لعباده من اللعان وفرض عليهم من الحدود
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ إلا الذين تابوا ﴾ قال : تاب الله عليهم من الفسوق وأما الشهادة فلا تجوز وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك وأخرج ابن مردويه عنه قال : توبتهم إكذابهم أنفسهم فإن أكذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : من تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل وفي الباب روايات عن التابعين وقصة قذف المغيرة في خلافة عمر مروية من طرق معروفة وأخرج البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس [ أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه و سلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : البينة وإلا حد في ظهرك فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ونزل جبريل فأنزل عليه ﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ حتى بلغ ﴿ إن كان من الصادقين ﴾ فانصرف النبي صلى الله عليه و سلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد
والنبي صلى الله عليه و سلم يقول : الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ] وأخرج هذه القصة أبو داود الطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وعبد حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مطولة وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما ولم يسموا الرجل ولا المرأة وفي آخر القصة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له :[ اذهب فلا سبيل لك عليها فقال : يا رسول الله مالي قال : لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال :[ جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال سل رسول الله : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه و سلم : فعاب رسول الله صلى الله عليه و سلم المسائل فقال عويمر : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه و سلم لأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فدعا بهما فلاعن بينهما قال عويمر : إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فصارت سنة للمتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا فجاءت به مثل النعت المكروه ] وفي الباب أحاديث كثيرة وفيما ذكرنا كفاية وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود قالوا لا يجتمع المتلاعنان أبدا