١٨٣ - ﴿ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ﴾ البخس النقص يقال بخسه حقه : إذا نقصه : أي لا تنقصوا الناس حقوقهم التي لهم وهذا تعميم بعد التخصيص وقد تقدم تفسيره في سورة هود وتقدم أيضا تفسير ﴿ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ﴾ فيها وفي غيرها
١٨٤ - ﴿ واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ﴾ قرأ الجمهور بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ أبو حصين والأعمش والحسن والأعرج وشيبة بضمهما وتشديد اللام وقرأ السلمي بفتح الجيم مع سكون الباء والجبلة الخليقة قاله مجاهد وغيره : يعني الأمم المتقدمة يقال جبل فلان على كذا : أي خلق قال النحاس : الخلق يقال له جبلة بكسر الحرفية الأولين وبضمهما مع تشديد اللام فيهما وبضم الجيم وسكون الباء وضمه فتحها قال الهروي : الجبلة والجبلة والجبل والجبل لغات وهو الجمع ذو العدد الكثير من الناس ومنه قوله تعالى :﴿ جبلا كثيرا ﴾ أي خلقا كثيرا ومن ذلك قول الشاعر :
( والموت أعظم حادث... فيما يمر على الجبلة )
١٨٥ - ﴿ قالوا إنما أنت من المسحرين ﴾
١٨٦ - ﴿ وما أنت إلا بشر مثلنا ﴾ قد تقدم تفسيره مستوفى في هذه السورة ﴿ وإن نظنك لمن الكاذبين ﴾ إن هي المخففة م الثقيلة عملت في ضمير شأن مقدر واللام هي الفارقة أي فيما تدعيه علينا من الرسالة وقيل هي النافية واللام بمعنى إلا : أي ما نظنك من الكاذبين والأول أولى
١٨٧ - ﴿ فأسقط علينا كسفا من السماء ﴾ كان شعيب يتوعدهم بالعذاب إن لم يؤمنوا فقالوا له هذا القول عنتا واستبعادا وتعجيزا والكسف : القطعة قال أبو عبيدة : الكسف جمع كسفة مثل سدر وسدرة قال الجوهري : الكسفة القطعة من الشيء يقال : أعطني كسفة من ثوبك والجمع كسف وقد مضى تحقيق هذا في سورة سبحان ﴿ إن كنت من الصادقين ﴾ في دعواك
١٨٨ - ﴿ قال ربي أعلم بما تعملون ﴾ من الشرك والعماصي فهو مجازيكم على ذلك إن شاء وفي هذا تهديد شديد
١٨٩ - ﴿ فكذبوه ﴾ فاستمروا على تكذيبه وأصروا على ذلك ﴿ فأخذهم عذاب يوم الظلة ﴾ والظلة السحاب أقامها الله فوق رؤوسهم فأمطرت عليهم نارا فهلكوا وقد أصابهم الله بما اقترحوا لأنهم إن أرادوا بالكسف القطعة من السحاب فظاهر وإن أرادوا بها القطعة من السماء فقد نزل عليهم العذاب من جهتها وأضاف العذاب إلى يوم الظلة لا إلى الظلة تنبيها على أن لهم في ذلك اليوم عذابا غير عذاب الظلة كذا قيل ثم وصف سبحانه هذا العذاب الذي أصابهم بقوله :﴿ إنه كان عذاب يوم عظيم ﴾ لما فيه من الشدة عليهم التي لا يقادر قدرها
وقد تقدم تفسير قوله : ١٩٠ - ﴿ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ﴾
١٩١ - ﴿ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ﴾ في هذه السورة مستوفى فلا نعيده وفي هذا التكرير لهذه الكلمات في آخر هذه القصص من التهديد والزجر والتقرير والتأكيد ما لا يخفى على من يفهم مواقع الكلام ويعرف أساليبه
وقد أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ﴾ قال : تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرجا أيضا عن قتادة ﴿ إلا عجوزا في الغابرين ﴾ قال : هي امرأة لوط غبرت في عذاب الله وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ليكة قال : هي الأيكة وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله :﴿ كذب أصحاب الأيكة المرسلين ﴾ قال : كانوا أصحاب غيضة من ساحل البحر إلى مدين ﴿ إذ قال لهم شعيب ﴾ ولم يقل أخوهم شعيب لأنه لم يكنمن جنسهم ﴿ ألا تتقون ﴾ كيف لا تتقون وقد علمتم أني رسول أمين لا تعتبرون من هلاك مدين وقد أهلكوا فيما يأتون وكان أصحاب الأيكة مع ما كانوا فيه من الشرك استنوا بسنة أصحاب مدين فقال لهم شعيب :﴿ إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم ﴾ على ما أدعوكم إليه ﴿ من أجر ﴾ في العاجل من أموالكم ﴿ إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ ﴿ واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ﴾ يعني القرون الأولين الذي أهلكوا بالمعاصي ولا تهلكوا مثلهم ﴿ قالوا إنما أنت من المسحرين ﴾ يعني من المخلوقين ﴿ وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين * فأسقط علينا كسفا من السماء ﴾ يعني قطعا من السماء ﴿ فأخذهم عذاب يوم الظلة ﴾ أرسل الله إليهم سموما من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر فحميت بيوتهم وغلت مياههم في الآبار والعيون فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين والسموم معهم فسلط الله عليهم الشمس من فوق رؤوسهم فغشيتهم حتى تقلقلت فيها جماجم وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء فلما رأوها ابتدروا يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا جميعا أطبقت عليهم فهلكوا ونجى الله شعيبا والذين آمنوا معه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عنه أيضا أنه سئل عنه قوله :﴿ فأخذهم عذاب يوم الظلة ﴾ قال : بعث الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم أجوافها فأخذ بأنفسهم فخرجوا من البيوت هربا إلى الرية فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا جتمعوا تحتها أسقط الله عليهم نارا فذلك عذاب يوم الظلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عنه أيضا قال : من حدثك من العلماء عذاب يوم الظلة فكذبه أقول : فما نقول له رضي الله عنه فيما حدثنا به من ذلك مما نقلناه عنه ها هنا ؟ ويمكن أن يقال إنه لما كان هو البحر الذي علمه الله تأويلكتابه بدعوة نبيه صلى الله عليه و سلم كان مختصا بمعرفة هذا الحديث دون غيره من أهل العلم فمن حدث بحديث عذاب الظلة على وجه غير هذا الوجه الذي حدثنا به فقد وصانا بتكذيبه لأنه قد علمه ولم يعلمه غيره