٤٠ - ﴿ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾ قال أكثر المفسرين : اسم هذا الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل وكان وزيرا لسليمان وكان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى قال ابن عطية : وقالت فرقة هو سليمان نفسه ويكون الخطاب على هذا للعفريت : كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيرا له ﴿ أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾ وقيل هو جبريل وقيل الخضر والأول أولى وقد قيل غير ذلك بما لا أصل له والمراد بالطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر وارتداده انضمامها وقيل هو معنى المطروف : أي الشيء الذي ينظرهن وقيل هو نفس الجفن عبر به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك : افعل ذلك في لحظة قاله مجاهد وقال سعيد بن جبير : إنه قال لسليمان : انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه والمعنى : حتى يعود إليك طرفك بعد مده إلى السماء والأول أولى هذه الأقوال ثم الثالث ﴿ فلما رآه مستقرا عنده ﴾ قيل في الآية حذف والتقدير : فأذن له سليمان فدعا الله فأتى به فلما رآه سليمان مستقرا عنده : أي رأى العرش حاضرا لديه ﴿ قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ﴾ الإشارة بقوله هذا إلى حضور العرش ليبلوني : أي ليختبرني أشكره بذلك وأعترف أنه من فضله من غير حول مني ولا قوة أم أكفر بترك الشكر وعدم القيام به قال الأخفش : المعنى لينظر أأشكر أم أكفر وقال غيره : معنى ليبلوني ليتعبدني وهو مجاز والأصل في الابتلاء الاختبار ﴿ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ﴾ لأنه استحق بالشكر تمام النعمة ودوامها والمعنى : أنه لا يرجع نفع ذلك إلا إلى الشاكر ﴿ ومن كفر ﴾ بترك الشكر ﴿ فإن ربي غني ﴾ عن شكره ﴿ كريم ﴾ في ترك المعاجلة بالعقوبة بنزع نعمه عنه وسلبه ما أعطاه منها وأم في أم أكفر هي المتصلة
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم ﴾ يقول : كن قريبا منهم ﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ فانطلق بالكتاب حتى إذا توسط عرشها ألقى الكتاب أليها فقرئ عليها فإذا فيه إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرج ابن مردويه عنه ﴿ كتاب كريم ﴾ قال : مختوم وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكتب باسمك اللهم حتى نزلت ﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك مرفوعا مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أفتوني في أمري ﴾ قال : جمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم في رأيها فأجمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه فسارت حتى إذا كانت قريبة قالت : أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله وأن ردها تابعته فهو نبي فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم فأمر الشياطين فموهوا ألف قصر من ذهب وفضة فلما رأت رسلها قصور الذهب قالوا : ما يصنع هذا بهديتنا وقصوره ذهب وفضة فلما دخلوا عليه بهديتها ﴿ قال أتمدونن بمال ﴾ ثم قال سليمان ﴿ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ﴾ فقال كاتب سليمان : ارفع بصرك فرفع بصره فلما رجع إليه طرفه فإذا هو بسرير ﴿ قال نكروا لها عرشها ﴾ فنزع منه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فـ ﴿ قيل ﴾ لها ﴿ أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو ﴾ وأمر الشياطين فجعلوا لها صرحا ممددا من قوارير وجعل فيها تماثيل السمك فـ ﴿ قيل لها ادخلي الصرح ﴾ فكشفت عن ساقيها فإذا فيها شعر فعند ذلك أمر بصنعة النورة فصنعت فقيل لها :﴿ إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ﴾ قال : إذا أخذوها عنوة أخربوها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : يقول الرب تبارك وتعالى :﴿ وكذلك يفعلون ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية ﴾ قال : أرسلت بلبنة من ذهب فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله :﴿ أتمدونن بمال ﴾ الآية وقال ثابت البناني أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج وقال مجاهد : جواري لباسهن لباس الغلمان وغلمان لباسهم لباس الجواري وقال عكرمة : أهدت مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية وعلى كل فرس لون ليس على الآخر وقال سعيد بن جبير : كانت الهدية جواهر وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره وأخرج ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ قبل أن يأتوني مسلمين ﴾ قال : طائعين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : اسم العفريت صخر وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا :﴿ قبل أن تقوم من مقامك ﴾ قال : من مجلسك وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ قال الذي عنده علم من الكتاب ﴾ قال : هو آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال في قراءة ابن مسعود قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك قال : فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش في نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله ﴿ قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾ قال : قال لسليمان انظر إلى السماء قال : فما اطرف حتى جاءه به فوضعه بين يديه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال : لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان


الصفحة التالية
Icon