ثم أكدوا ذلك الاستبعاد بما هو تكذيب للبعث فقالوا :﴿ لقد وعدنا هذا ﴾ يعنون البعث ﴿ نحن وآباؤنا من قبل ﴾ أي من قبل وعد محمد لنا والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الإنكار مصدرة بالقسم لزيادة التقرير ﴿ إن هذا ﴾ الوعد بالبعث ﴿ إلا أساطير الأولين ﴾ أحاديثهم وأكاذيبهم الملفقة وقد تقدم تحقيق معنى الأساطير في سورة المؤمنون ثم أوعدهم سبحانه على عدم قبول ما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث فأمرهم بالنظر في أحوال الأمم السابقة المكذبة للأنبياء وما عوقبوا به وكيف كانت عاقبتهم
فقال : ٦٩ - ﴿ قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾ بما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث ومعنى النظر هو مشاهدة آثارهم بالبصر فإن في المشاهدة زيادة اعتبار وقيل المعنى : فانظروا بقلوبكم وبصائركم كيف كان عاقبة المكذبين لرسلهم والأولى أولى لأمرهم بالسير في الأرض
٧٠ - ﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ لما وقع منهم من الإصرار على الكفر ﴿ ولا تكن في ضيق ﴾ الضيق : الحرج يقال ضاق الشيء ضيقا بالكسر قرئ بهما وهما لغتان قال ابن السكيت : يقال في صدر فلان ضيق وضيق وهو ما تضيق عنه الصدور وقد تقدم تفسير هذه الآية في آخر سورة النحل
٧١ - ﴿ ويقولون متى هذا الوعد ﴾ أي بالعذاب التي تعدنا به ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ في ذلك
٧٢ - ﴿ قل عسى أن يكون ردف لكم ﴾ يقال ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت خلفه وردفه إذا أتبعه وجاء في أثره والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الكفار عسى أن يكون هذا العذاب الذي به توعدون تبعكم ولحقكم فتكون اللام زائدة للتأكيد أو بمعنى اقترب لكم ودنا لكم فتكون غير زائدة قال ابن شجرة : معنى ردف لكم تبعكم قال ومنه ردف المرأة لأنه تبع لها من خلفها ومنه قول أبي ذؤيب :

( عاد السواد بياضا في مفارقه لا مرحبا ببياض الشيب إذ ردفا )
قال الجوهري : وأردفه لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه بمعنى قال خزيمة بن مالك بن نهد :
( إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا )
قال الفراء : ردف لكم : دنا لكم ولهذا قيل لكم وقرأ الأعرج ردف لكم بفتح الدال وهي لغة والكسر أشهر وقرأ ابن عباس أزف لكم وارتفاع ﴿ بعض الذي تستعجلون ﴾ أي على أنه فاعل ردف والمراد بعض الذي تستعجلونه من العذاب : أي عسى أن يكون قد قرب ودنا وأزف بعض ذلك قيل هو عذابهم بالقتل يوم بدر وقيل هو عذاب القبر


الصفحة التالية
Icon