١٦ - ﴿ قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر ﴾ الله ﴿ له ﴾ ذلك ﴿ إنه هو الغفور الرحيم ﴾ ووجه استغفاره أنه لم يكن لنبي أن يقتل حتى يؤمر وقيل إنه طلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين أو أراد إني ظلمت نفسي بقتل هذا الكافر لأن فرعون لو يعرف ذلك لقتلني به ومعنى فاغفر لي : فاستر ذلك علي لا تطلع عليه فرعون وهذا خلاف الظاهر فإن موسى عليه السلام ما زال نادما على ذلك خائفا من العقوبة بسببه : حتى إنه يوم القيامة عند طلب الناس الشفاعة منه يقول : إني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها كما ثبت ذلك في حديث الشفاعة الصحيح وقد قيل إن هذا كان قبل النبوة وقيل كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف وإنه كان إذ ذاك في إثنتي عشرة سنة وكل هذه التأويلات البعيدة محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء ولا شك أنهم معصومون من الكبائر والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة لأن الوكزة في الغالب لا تقتل ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته
١٧ - ﴿ قال رب بما أنعمت علي ﴾ هذه الباء يجون أن تكون باء القسم والجواب مقدر : أي أقسم بإنعامك علي لأتوبن وتكون جملة ﴿ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ﴾ كالتفسير للجواب وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما ويجوز أن تكون هذه الباء هي باس السببية متعلقة بمحذوف : أي اعصمني بسبب ما أنعمت به علي ويكون قوله فلن أكون ظهيرا أتومترتبا عليه ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى وتوصل إلى إنعامه بإنعامه و ما في قوله بما أنعمت إما موصولة أو مصدرية والمراد بما أنعم به عليه : هو ما آتاه من الحكم والعلم أو بالمغفرة أو بالجميع وأراد بمظاهرة المجرمين : إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر أو مظاهرته على ما فيه إثم قال الكسائي والفراء : ليس قوله :﴿ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ﴾ خبرا بل هو دعاء : أي فلا تجعلني يا رب ظهيرا لهم قال الكسائي وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني يا رب ظهيرا للمجرمين وقال الفراء : المعنى اللهم فلن أكون ظهيرا للمجرمين وقال النحاس : إن جعله من باب الخبر أوفى وأشبه بنسق الكلام
١٨ - ﴿ فأصبح في المدينة خائفا يترقب ﴾ أي دخل في وقت الصباح في المدينة التي قتل فيها القبطي وخائفا خبر أصبح ويجوز أن يكون حالا والخبر في المدينة ويترقت يجوز أن يكون خبرا ثانيا وأن يكون حالا ثانية وأن يكون بدلا من خائفا ومفعول يترقب محذوف والمعنى : يترقب المكروه أو يترقب الفرح ﴿ فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ﴾ إذا هي الفجائية والموصول مبتدأ وخبره يستصرخه : أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي استغاثه بالأمس يقاتل قبطيا آخر أراد أن يسخره ويظلمه كما أراد القبطي الذي قد قتله موسى بالأمس والاستصراخ الاستغاثة وهو من الصراخ وذلك أن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث ومنه قول الشاعر :

( كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الجواب له قرع الظنابيب )
﴿ قال له موسى إنك لغوي مبين ﴾ أي بين الغواية وذلك أنك تقاتل من لا تقدر على مقاتلته ولا تطيقه وقيل إنما قال له هذه المقالة لأنه تسبب بالأمس لقتل رجل يريد اليوم ان يتسبب لقتل آخر


الصفحة التالية
Icon