٢٥ - ﴿ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾ أي يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم عليها موفرا فالمراد بالدين هاهنا الجزاء وبالحق الثابت الذي لا شك في ثبوته قرأ زيد بن علي يوفيهم مخففا من أوفى وقرأ من عداه بالتشديد من وفى وقرأ أبو حيوة ومجاهد ﴿ الحق ﴾ بالرفع على أنه نعت لله وروى ذلك عن ابن مسعود وقرأ الباقون بالنصب على أنه نعت لدينهم قال أبو عبيدة : ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ليكون نعتا لله عز و جل ولتكون موافقة لقراءة أبي وذلك أن جرير بن حازم قال : رأيت في مصحف أبي ﴿ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾ قال النحاس : وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضي لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم ولا حجة أيضا فيه لأنه لو صح أنه في مصحف أبي جاز أن يكون دينهم بدلا من الحق ﴿ ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾ أي ويعلمون عند معاينتهم لذلك ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز أن الله هو الحق الثابت في ذاته وصفاته وأفعاله المبين المظهر للأشياء كما هي في أنفسها وإنما سمي سبحانه الحق لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره وقيل سمي بالحق : أي الموجود لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم
٢٦ - ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال :﴿ الخبيثات للخبيثين ﴾ أي الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال : أي مختصة بهم لا تتجاوزهم وكذا الخبيثون مختصون بالخبيثات لا يتجاوزونهن وهكذا قوله :﴿ والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ﴾ قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين : المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل قال الزجاج : ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء وهذا ذم للذين قذفوا عائشة بالخبيث ومدح للذين برأوها وقيل إن هذه الآية مبنية على قوله :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية ﴾ فالخبيثات الزواني والطيبات العفائف وكذا الخبيثون والطيبون والإشارة هنا بقوله :﴿ أولئك مبرؤون مما يقولون ﴾ إلى الطيبين والطيبات : أي هم مبرأون مما يقوله الخبيثون والخبيثات وقيل الإشارة إلى أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وقيل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعائشة وصفوان بن المعطل وقيل عائشة وصفوان فقط قال الفراء : وجمع كما قال :﴿ فإن كان له إخوة ﴾ والمراد أخوان ﴿ لهم مغفرة ﴾ أي هؤلاء المبرأون لهم مغفرة عظيمة لما لا يخلوا عنه البشر من الذنوب ﴿ ورزق كريم ﴾ هو رزق الجنة
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا يأتل ﴾ الآية يقول : لا يقسموا أن لا ينفعوا أحدا وأخرج ابن المنذر عن عائشة قالت : كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك وكان قريبا لأبي بكر وكان في عياله فحلف أبو بكر أن لا ينيله خيرا أبدا فأنزل الله ﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ الآية قالت : فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير وقد روي هذا من طرق عن جماعة من التابعين وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها فأقسم ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه فقال : لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون من قبل ذلك فأمر الله أن يغفر لهم وأن يعفى عنهم وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه في قوله :﴿ إن الذين يرمون المحصنات ﴾ الآية قال : نزلت في عائشة خاصة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال : هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه و سلم ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه و سلم التوبة ثم قرأ ﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ إلى قوله :﴿ إلا الذين تابوا ﴾ وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقال : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول : كذبوا فيقال : أهلك وعشيرتك فيقول : كذبوا فيقال : احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ثم يدخلهم النار ] وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق جماعة من الصحابة ما يتضمن شهادة الجوارح على العصاة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه :﴿ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾ قال : حسابهم وكل شيء في القرآن فهو الحساب وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ ﴿ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾ وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ الخبيثات ﴾ قال : من الكلام ﴿ للخبيثين ﴾ قال : من الرجال ﴿ والخبيثون ﴾ من الرجال ﴿ للخبيثات ﴾ من الكلام ﴿ والطيبات ﴾ من الكلام ﴿ للطيبين ﴾ من الناس ﴿ والطيبون ﴾ من الناس ﴿ للطيبات ﴾ من الكلام نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه و سلم ما قالوا من البهتان وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير والطبراني عن قتادة نحوه أيضا وكذا روى عن جماعة من التابعين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في الآية قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم طيبا فكان أولى أن تكون له الطيبة وكانت عائشة الطيبة وكانت أولى بأن يكون لها الطيب وفي قوله :﴿ أولئك مبرؤون مما يقولون ﴾ قال : هاهنا برئت عائشة وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : لقد نزل عذري من السماء ولقد خلقت طيبة وعند طيب ولقد وعدت مغفرة وأجرا عظيما