ولقوله : ١١ - ﴿ وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ﴾ فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده : أي ليميزن الله بين الطائفتين ويظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ويصبر في الله حق الصبر ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم وكفر بالله عز و جل وإن خفقت ريح الإسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإسلام وزعم أنه من المسلمين
١٢ - ﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ﴾ اللام في للذين آمنوا هي لام التبليغ : أي قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع : أي قالوا لهم اسلكوا طريقتنا وادخلوا في ديننا ﴿ ولنحمل خطاياكم ﴾ أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون فلنحمل ذلك عنكم فنؤاخذ به دونكم واللام في لنحمل لام الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك وقال الفراء والزجاج : هو أمر في تأويل الشرط والجزاء : أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ثم رد الله عليهم بقوله :﴿ وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء ﴾ من الأولى بيانية والثانية مزيدة للاستغراق : أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها وضمنوا لهم حملها ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال :﴿ إنهم لكاذبون ﴾ فيما ضمنوا به من حمل خطاياكم قال المهدوي هذا التكذيب لهم من الله عز و جل حمل على المعنى لأن المعنى : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر
١٣ - ﴿ وليحملن أثقالهم ﴾ أي أوزارهم التي عملوها والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة ﴿ وأثقالا مع أثقالهم ﴾ أي أوزارا مع أوزارهم وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة ومثله قوله سبحانه :﴿ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ﴾ ومثله قوله صلى الله عليه و سلم :[ من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ] كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره ﴿ وليسألن يوم القيامة ﴾ تقريعا وتوبيخا ﴿ عما كانوا يفترون ﴾ أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا وقال مقاتل : يعني قولهم : نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ الم * أحسب الناس أن يتركوا ﴾ الآية قال : أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا قال : فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم هذه الآية فكتبوا إليهم أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا فقالوا : نخرج فإن اتبعنا أحد قتلناه فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله فيهم ﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال : نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله ﴿ الم * أحسب الناس أن يتركوا ﴾ الآية وأخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن مسعود قال : أول من أظهر الله إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وسمية أم عمار وعمار وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ أن يسبقونا ﴾ قال أن يعجزونا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : قالت أمي لا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر بمحمد فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا فنزلت هذه الآية ﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ﴾ وأخرجه أيضا الترمذي من حديثه وقال : نزلت في أربع آيات وذكر نحو هذه القصة وقال : حسن صحيح وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت علي ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ جعل فتنة الناس كعذاب الله ﴾ قال : يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله