٢٤ - ﴿ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ﴾ هذا رجوع إلى خطاب إبراهيم بعد الاعتراض بما تقدم من خطاب محمد صلى الله عليه و سلم على قول من قال : إن قوله قل سيروا في الأرض خطاب محمد صلى الله عليه و سلم وأما على قول من قال : إنه خطاب لإبراهيم عليه السلام فالكلام في سياقه سابقا ولاحقا : أي قال بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم : افعلوا بإبراهيم أحد الأمرين المذكورين ثم اتفقوا على تحريقه ﴿ فأنجاه الله من النار ﴾ وجعلها عليه بردا وسلاما ﴿ إن في ذلك ﴾ أي في إنجاء الله لإبراهيم ﴿ لآيات ﴾ بينة : أي دلالات واضحة وعلامات ظاهرة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه : حيث أضرموا تلك النار العظيمة وألقوه فيها ولم تحرقه ولا أثرت فيه أثرا بل صارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها من الحرارة والإحراق وإنما خص المؤمنون لأنهم الذين يعتبرون بآيات الله سبحانه وأما من عداهم فهم عن ذلك غافلون قرأ الجمهور بنصب ﴿ جواب قومه ﴾ على أنه خبر كان وما بعده اسمها وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار والحسن برفعه على أنه اسم كان وما بعده في محل نصب على الخبر
٢٥ - ﴿ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ﴾ أي قال إبراهيم لقومه : أي للتوادد بينكم والتواصل لاجتماعكم على عبادتها وللخشية من ذهاب المودة فيما بينكم إن تركتم عبادتها قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ﴿ مودة بينكم ﴾ برفع مودة غير منونة وإضافتها إلى بينكم وقرأ الأعمش وابن وثاب مودة برفعها منونة وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بنصب ﴿ مودة ﴾ منونة ونصب ﴿ بينكم ﴾ على الظرفية وقرأ حمزة وحفص بنصب مودة مضافة إلى بينكم فأما قراءة الرفع فذكر الزجاج لها وجهين : الأول أنها ارتفعت على خبر إن في إنما اتخذتم وجعل ما موصوفة والتقدير : إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم والوجه الثاني أن تكون على إضمار مبتدأ : أي هي مودة أو تلك مودة والمعنى : أن المودة هي التي جمعتكم على عبادة الأوثان واتخاذها قيل ويجوز أن تكون مودة مرتفعة بالابتداء وخبرها في الحياة الدنيا ومن قرأ برفع مودة منونة فتوجيهه كالقراءة الأولى ونصب بينكم على الظرفية ومن قرأ بنصب مودة ولم ينونها جعلها اتخذتم وجعل إنما حرفا واحدا للحصر وهكذا من نصبها ونونها ويجوز أن يكون النصب في هاتين القراءتين على أن المودة علة فهي مفعول لأجله وعلى قراءة الرفع يكون مفعول اتخذتم الثاني محذوفا : أي أوثان آلهة وعلى تقدير أن ما في قوله إنما اتخذتم موصولة يكون المفعول الأول ضميرها : أي اتخذتموه والمفعول الثاني أوثانا ﴿ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ﴾ أي يكفر بعض هؤلاء المتخذين للأوثان العابدين لها بالبعض الآخر منهم فيتبرأ القادة من الأتباع والأتباع من القادة وقيل المعنى يتبرأ العابدون للأوثان من الأوثان وتتبرأ الأوثان من العابدين لهم ﴿ ويلعن بعضكم بعضا ﴾ أي يلعن كل فريق الآخرة على التفسيرين المذكورين ﴿ ومأواكم النار ﴾ أي الكفار وقيل يدخل في ذلك الأوثان : أي هي منزلكم الذي تأوون إليه ﴿ وما لكم من ناصرين ﴾ يخلصونكم منها ينصرتهم لكم