٥٢ - ﴿ قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ﴾ أي قل للمكذبين كفى الله شهيدا بما وقع بيني وبينكم ﴿ يعلم ما في السموات والأرض ﴾ لا تخفى عليه من ذلك خافية ومن جملته ما صدر بينكم وبين رسوله ﴿ والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ﴾ أي أمنوا بما يعبدونه من دون الله وكفروا بالحق وهو الله سبحانه أولئك هم الجامعون بين خسران الدنيا والآخرة
٥٣ - ﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾ استهزاء وتكذيبا منهم بذلك كقولهم ﴿ أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ ﴿ ولولا أجل مسمى ﴾ قد جعله الله لعذابهم وعينه وهو القيامة وقال الضحاك : الأجل مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب ﴿ لجاءهم العذاب ﴾ أي لولا ذلك الأجل المضروب لجاءهم العذاب الذي يستحقونه بذنوبهم وقيل المراد بالأجل المسمى النفخة الأولى وقيل الوقت الذي قدره الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر والحاصل أن لكل عذاب أجلا لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كما في قوله سبحانه :﴿ لكل نبإ مستقر ﴾ وجملة ﴿ وليأتينهم بغتة ﴾ مستأنفة مبينة لمجيء العذاب المذكور قبلها ومعنى بغتة فجأة وجملة ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ في محل نب على الحال : أي حال كونهم لا يعلمون بإتيانه
ثم ذكر سبحانه أن موعد عذابهم النار فقال : ٥٤ - ﴿ يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴾ أي يطلبون منك تعجيل عذابهم والحال أن مكان العذاب محيط بهم أي : سيحيط بهم عن قرب فإن ما هو آت قريب والمراد بالكافرين جنسهم فيدخل فيه هؤلاء المستعجلون دخولا أوليا فقوله :﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾ إخبار عنهم وقوله ثانيا ﴿ يستعجلونك بالعذاب ﴾ تعجب منهم وقيل التكرير للتأكيد
ثم ذكر سبحانه كيفية إحاطة العذاب بهم فقال ٥٥ - ﴿ يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ أي من جميع جهاتهم فإذا غشيهم العذاب على هذه الصفة فقد أحاطت بهم جهنم ﴿ ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ القائل هو الله سبحانه أو بعض ملائكته يأمره : أي ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصي قرأ أهل المدينة والكوفة نقول بالنون وقرأ الباقون بالتحتية واختار القراءة الأخيرة أبو عبيد لقوله :﴿ قل كفى بالله ﴾ وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة ويقال ذوقوا
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس في قوله :﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ﴾ قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ ولا يكتب كان أميا وفي قوله :﴿ بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ﴾ قال : كان الله أنزل شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعله لهم آية فقال لهم : إن آية نبوته أن يخرج حين يخرج ولا يعلم كتابا ولا يخطه بيمينه وهي الآيات البينات التي قال الله تعالى وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله :﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ﴾ الآية قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ ولا يكتب وأخرج الفريابي والدارمي وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة قال :[ جاء أناس من المسلمين بكتب قد كتبوها فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى الله عليه و سلم : كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزلت ﴿ أولم يكفهم ﴾ الآية ] وأخرجه الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه من طريق يحيى بن جعدة عن أبي هريرة فذكره بمعناه وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن الزهري [ أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرأه والنبي صلى الله عليه و سلم يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا نبيكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ] وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن الحارث الأنصاري قال :[ دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه و سلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم تغيرا شديدا لم أر مثله قط فقال عبد الله بن الحرث لعمر : أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر : رضينا بالله وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسرى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم ] وأخرج نحوه عبد الرزاق والبيهقي من طريق أبي قلابة عن عمر وأخرج البيهقي وصححه عن عمر بن الخطاب قال :[ سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن تعلم التوراة فقال : لا تتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا به ] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴾ قال : جهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكون فيه الشمس والقمر ثم يستوقد فيكون هو جهنم وفي هذا نكارة شديدة فإن الأحاديث الكثيرة الصحيحة ناطقة بأن جهنم موجودة مخلوقة على الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة