ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا وأنها من جنس اللعب واللهو : وأن الدار على الحقيقة هي دار الآخرة فقال : ٦٤ - ﴿ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ﴾ من جنس ما يلهو به الصبيان ويلعبون به ﴿ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ﴾ قال ابن قتيبة وأبو عبيدة : إن الحيوان الحياة قال الواحدي : وهو قول جميع المفسرين ذهبوا إلى أن معنى الحيوان ههنا الحياة وأنه مصدر بمنزلة الحياة فيكون كالنزوان والغليان ويكون التقدير : وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان أو ذات الحيوان : أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا ينغضها موت ولا مرض ولا هم ولا غم ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ شيئا من العلم لما آثروا عليها الدار الفانية المنغصة
ثم بين سبحانه أنه ليس المانع لهم من الإيمان إلا مجرد تأثير الحياة فقال : ٦٥ - ﴿ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ﴾ أي إذا انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين بصدق نياتهم وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه ﴿ فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ﴾ أي فاجئوا المعاودة إلى الشرك ودعوا غير الله سبحانه والركوب هو الاستعلاء وهو متعد بنفسه وإنما عدي بكلمة في للإشعار بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة
واللام في ٦٦ - ﴿ ليكفروا بما آتيناهم ﴾ وفي قوله :﴿ وليتمتعوا ﴾ للتعليل : أي فاجئوا الشرك بالله ليكفروا بنعمة الله وليتمتعوا بهما فهما في الفعلين لام كي وقيل هما لاما الأمر تهديدا ووعيدا : أي اكفروا بما أعطيناكم من النعمة وتمتعوا ويدل على هذه القراءة قراءة أبي وتمتعوا وهذا الاحتمال للأمرين إنما هو على قراءة أبي عمرو وابن عامر وعاصم وورش بكسر اللام وأما على قراءة الجمهور بسكونها فلا خلاف أنها لام الأمر وفي قوله :﴿ فسوف يعلمون ﴾ تهديد عظيم لهم : أي فسيعلمون عاقبة ذلك وما فيه من الوبال عليهم
٦٧ - ﴿ أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ﴾ أي ألم ينظروا : يعني كفار قريش أنا جعلنا حرمهم هذا حرما آمنا يأمن فيه ساكنه من الغارة والقتل والسبي والنهب فصاروا في سلامة وعافية مما صار فيه غيرهم من العرب فإنهم في كل حين تطرقهم الغارات وتجتاح أموالهم الغزاة وتسفك دماءهم الجنود وتستبيح حرمهم وأموالهم شطار العرب وشيطانها وجملة ﴿ ويتخطف الناس من حولهم ﴾ في محل نصب على الحال : أي يختلسون من حولهم بالقتل والسبي والنهب والخطف : الأخذ بسرعة وقد مضى تحقيق معناه في سورة القصص ﴿ أفبالباطل يؤمنون ﴾ وهو الشرك بعد ظهور حجة الله عليهم وإقرارهم بما يوجب التوحيد ﴿ وبنعمة الله يكفرون ﴾ يجعلون كفرها مكان شكرها وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره