٢٥ - ﴿ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ﴾ أي قيامهما واستمساكهما بإرادته سبحانه وقدرته بلا عمد يعمدهما ولا مستقر يستقران عليه قال الفراء : يقول أن تدوما قائمتين بأمره ﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾ أي ثم بعد موتكم ومصيركم في القبور إذا دعاكم دعوة واحدة فاجأتم الخروج منها بسرعة من غير تلبث ولا توقف كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع ومن الأرض متعلق بدعا : أي دعاكم من الأرض التي أنتم فيها كما يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي أو متعلق بمحذوف هو صفة لدعوة أو متعلق بمحذوف يدل عليه تخرجون : أي خرجتم من الأرض ولا يجوز أن يتعلق بتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها وهذه الدعوة هي نفخة إسرافيل الآخرة في الصور على ما تقدم بيانه وقد أجمع القراء على فتح التاء في تخرجون هنا وغلط من قال إنه قرئ هنا بضمها على البناء للمفعول وإنما قرئ بضمها في الأعراف
٢٦ - ﴿ وله من في السموات والأرض ﴾ من جميع المخلوقات ملكا وتصرفا وخلقا ليس لغيره في ذلك شيء ﴿ كل له قانتون ﴾ أي مطيعون طاعة انقياد وقيل مقرون بالعبودية وقيل مصلون وقيل قائمون يوم القيامة كقوله :﴿ يوم يقوم الناس لرب العالمين ﴾ : أي للحساب وقيل بالشهادة أنهم عباده وقيل مخلصون
٢٧ - ﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ بعد الموت فيحييه الحياة الدائمة ﴿ وهو أهون عليه ﴾ أي هين عليه لا يستصعبه أو أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم وعلى ما يقوله بعضكم لبعض وإلا فلا شيء في قدرته بعضه أهون من بعض بل كل الأشياء مستوية يوجدها بقوله كن فتكون قال أبو عبيد : من جعل أهون عبارة عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله :﴿ وكان ذلك على الله يسيرا ﴾ وبقوله :﴿ ولا يؤوده حفظهما ﴾ والعرب تحمل أفعل على فاعل كثيرا كما في قول الفرزدق :

( إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول )
أي عزيزة طويلة وأنشد أحمد بن يحيى ثعلب على ذلك :
( تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد )
أي لست بواحد ومثله قول الآخر :
( لعمرك إن الزبرقان لباذل لمعروفه عند السنين وأفضل )
أي وفاضل وقرأ عبد الله بن مسعود وهو عليه هين وقال مجاهد وعكرمة والضحاك : إن الإعادة أهون عليه : أي على الله من البداية : أي أيسر وإن كان جميعه هينا وقيل المراد أن الإعادة فيما بين الخلق أهون من البداية وقيل الضمير في عليه للخلق : أي وهو أهون على الخلق لأنه يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ويقال لهم كونوا فيكونون فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخر النشأة ﴿ وله المثل الأعلى ﴾ قال الخليل : المثل الصفة : أي وله الوصف الأعلى ﴿ في السموات والأرض ﴾ كما قال :﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون ﴾ أي صفتها وقال مجاهد : المثل الأعلى قول لا إله إلا الله وبه قال قتادة وقال الزجاج ﴿ وله المثل الأعلى في السموات والأرض ﴾ أي قوله وهو أهون عليه قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل وقيل المثل الأعلى هو أنه ليس كمثله شيء وقيل هو أن ما أراده كان بقول كن وفي السموات والأرض متعلق بمضمون الجملة المتقدمة والمعنى : أنه سبحانه عرف بالمثل الأعلى ووصف به في السموات والأرض ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الأعلى أو من الضمير في الأعلى ﴿ وهو العزيز ﴾ في ملكه القادر الذي لا يغالب ﴿ الحكيم ﴾ في أقواله وأفعاله
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يبلس ﴾ قال : يبتئس وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ﴿ يبلس ﴾ قال : يكتئب وعنه الإبلاس : الفضيحة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ يحبرون ﴾ قال : يكرمون وأخرج الديلمي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إذا كان يوم القيامة قال الله : أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان ميزوهم فيميزون في كثب المسك والعنبر ثم يقول للملائكة : أسمعوهم من تسبيحي وتحميدي وتهليلي قال : فيسبحون بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها قط ] وأخرج الدينوري في المجالسة عن مجاهد قال : ينادي مناد يوم القيامة فذكر نحوه ولم يسم من رواه له عن رسول الله وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن المنكدر نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام فيخرج أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي رزين قال : جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال نعم فقرأ ﴿ فسبحان الله حين تمسون ﴾ صلاة المغرب ﴿ وحين تصبحون ﴾ صلاة الصبح ﴿ وعشيا ﴾ صلاة العصر ﴿ وحين تظهرون ﴾ صلاة الظهر وقرأ ﴿ ومن بعد صلاة العشاء ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه قال : جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة ﴿ فسبحان الله حين تمسون ﴾ قال : المغرب والعشاء ﴿ وحين تصبحون ﴾ الفجر ﴿ وعشيا ﴾ العصر ﴿ وحين تظهرون ﴾ الظهر وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني في عمل يوم وليلة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى : سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ] وفي إسناده ابن لهيعة وأخرج أبو داود والطبراني وابن السني وابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ من قال حين يصبح :﴿ سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون * يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ﴾ أدرك ما فاته في يومه ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته ] وإسناده ضعيف وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ كل له قانتون ﴾ يقول مطيعون : يعني الحياة والنشور والموت وهم له عاصون فيما سوى ذلك من العبادة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وهو أهون عليه ﴾ قال : أيسر وأخرج ابن الأنباري عنه أيضا في قوله :﴿ وهو أهون عليه ﴾ قال : الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة كن فيكون وابتدأ الخلقة من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :﴿ وله المثل الأعلى ﴾ يقول : ليس كمثله شيء


الصفحة التالية
Icon