٣ - و ﴿ هدى ورحمة ﴾ منصوبان على الحال على قراءة الجمهور قال الزجاج : المعنى تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة وقرأ حمزة ﴿ ورحمة ﴾ بالرفع على أنهما خبر مبتدأ محذوف : أي هو هدى ورحمة ويجوز أن يكونا خبر تلك والمحسن العامل للحسنات أو من يعبد الله كأنه يراه كما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم في الصحيح لما سأله جبريل عن الإحسان : فقال [ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ]
ثم بين عمل المحسنين فقال : ٤ - ﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ﴾ والموصل في محل جر على الوصف للمحسنين أو في محل رفع أو نصب على المدح أو القطع وخص هذه العبادات الثلاث لأنها عمدة العبادات
٥ - ﴿ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾ وقد تقدم تفسير هذا في أوائل سورة البقرة والمعنى هنا : أن أولئك المتصفين بالإحسان وفعل تلك الطاعات التي هي أمهات العبادات هم على طريقة الهدى وهم الفائزون بمطالبهم الظافرون بخيري الدارين
٦ - ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ محل ومن الناس الرفع على الابتداء كما تقدم بيانه في سورة البقرة وخبره من يشتري لهو الحديث ومن إما موصولة أو موصوفة ولهو الحديث كل ما يلهى عن الخير من الغناء والملاهي والأحاديث المكذوبة وكل ما هو منكر والإضافة بيانية وقيل المراد شراء القينات المغنيات والمغنين فيكون التقدير : ومن يشتري أهل لهو الحديث قال الحسن : لهو الحديث المعازف والغناء وروي عنه أنه قال : هو الكفر والشرك قال القرطبي : إن أولى ما قيل في هذا الباب هو تفسير لهو الحديث بالغناء قال : وهو قول الصحابة والتابعين واللام في ﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾ للتعليل قرأ الجمهور بضم الياء من ﴿ ليضل ﴾ أي ليضل غيره عن طريق الهدى ومنهج الحق وإذا أضل غيره فقد ضل في نفسه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وحميد وورش وابن أبي إسحاق بفتح الياء : أي ليضل هو في نفسه قال الزجاج : من قرأ بضم الياء فمعناه ليضل غيره فإذا أضل غيره فقد ضل هو ومن قرأ بفتح الياء فمعناه ليصير أمره إلى الضلال وهو وإن لم يكن يشتري للضلالة فإنه يصير أمره إلى ذلك فأفاد هذا التعليل أنه إنما يستحق الذم من اشترى لهو الحديث لهذا المقصد ويؤيد هذا سبب نزول الآية وسيأتي قال القرطبي : قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبد الله العنبري قال القاضي أبو بكر بن العربي : يجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته إذ ليس شيء منها عليه حرام لا من ظاهرها ولا من باطنها فكيف يمنع من التلذذ بصوتها ؟
قلت : قد جمعت رسالة مشتملة على أقوال أهل العلم في الغناء وما استدل به المحللون له والمحرمون له وحققت هذا المقام بما لا يحتاج من نظر فيها وتدبر معانيها إلى النظر في غيرها وسميتها [ إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع ] فمن أحب تحقيق المقام كما ينبغي فليرجع إليها
ومحل قوله بغير علم النصب على الحال : أي حال كونه غير عالم بحال ما يشتريه أو بحال ما ينفع من التجارة وما يضر لفهذا استبدل بالخير ما هو شر محض ﴿ ويتخذها هزوا ﴾ قرأ الجمهور برفع ﴿ يتخذها ﴾ عطفا على يشتري فهو من جملة الصلة وقيل الرفع على الاستئناف والضمير المنصوب في يتخذها يعود إلى الآيات المتقدم ذكرها والأول أولى وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ﴿ ويتخذها ﴾ بالنصب عطفا على يضل والضمير المنصوب راجع إلى السبيل فتكون على هذه القراءة من جملة التعليل للتحريم والمعنى : أنه يشتري لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله واتخاذ السبيل هزوا : أي مهزوءا به والسبيل يذكر ويؤنث والإشارة بقوله :﴿ أولئك لهم عذاب مهين ﴾ إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الإفارد في الفعلين باعتبار لفظها والعذاب المهين : هو الشديد الذي يصير به من وقع عليه مهينا