ثم بين سبحانه عزته وحكمته بقوله : ١٠ - ﴿ خلق السموات بغير عمد ترونها ﴾ العمد جمع عماد وقد تقدم الكلام فيه في سورة الرعد وترونها في محل جر صفة لعمد فيمكن أن تكون ثم عمد ولكن لا ترى ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال : أي ولا عمد ألبتة قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول : الأولى أن يكون مستأنفا : أي ولا عمد ثم ﴿ وألقى في الأرض رواسي ﴾ أي جبالا ثوابت ﴿ أن تميد بكم ﴾ في محل نصب على العلة : أي كراهة أن تميد بكم والكوفيون يقدرونه لئلا تميد والمعنى : أنها خلقت وجعلها مستقرة ثابتة لا تتحرك بجبال جعلها عليها وأرساها على ظهرها ﴿ وبث فيها من كل دابة ﴾ أي من كل نوع من أنواع الدواب وقد تقدم بيان معنى البث ﴿ وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ﴾ أي أنزلنا من السماء مطرا فأنبتنا فيها بسبب إنزاله من كل زوج : أي من كل صنف ووصفه بكونه كريما لحسن لونه وكثرة منافعه وقيل إن المراد بذلك الناس فالكريم منهم من يصير إلى الجنة واللئيم من يصير إلى النار قاله الشعبي وغيره والأول أولى
والإشارة بقوله : ١١ - ﴿ هذا ﴾ إلى ما ذكر في خلق السموات والأرض وهو مبتدأ وخبره ﴿ خلق الله ﴾ أي مخلوقه ﴿ فأروني ماذا خلق الذين من دونه ﴾ من آلهتكم التي تعبدونها والاستفهام للتقريع والتوبيخ والمعنى : فأروني أي شيء خلقوا مما يحاكي خلق الله أو يقاربه وهذا الأمر لهم لقصد التعجيز والتبكيت ثم أضرب عن تبكيتهم بما ذكر إلى الحكم عليهم بالضلال الظاهر فقال ﴿ بل الظالمون في ضلال ﴾ فقرر ظلمهم أولا وضلالهم ثانيا ووصف ضلالهم بالوضوح والظهور ومن كان هكذا فلا يعقل الحجة ولا يهتدي إلى الحق
وقد أخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ يعني باطل الحديث وهو النضر بن الحارث بن علقمة اشترى أحاديث الأعاجم وصنيعهم في دهرهم وكان يكتب الكتب من الحيرة إلى الشام ويكذب بالقرآن وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه في الآية قال : باطل الحديث وهو الغناء ونحوه ﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾ قال : قراءة القرآن وذكر الله نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن عنه أيضا في الآية قال : هو الغناء وأشباهه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال : الجواري الضاربات وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي الصهباء قال : سألت عبد الله بن مسعود عن قوله :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ قال : هو والله الغناء ولفظ ابن جرير : هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أماة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام ] في مثل هذا أنزلت هذه الآية ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ الآية وفي إسناده عبيد بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن وفيهم ضعف وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها ثم قرأ ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ ] وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في السنن عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ الغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل ] وروياه عنه موقوفا وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك ] وفي الباب أحاديث في كل حديث منها مقال وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ قال : الرجل يشتري جارية تغني ليلا ونهارا وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر [ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في قوله :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ : إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل ] وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع قال : كنت أسير مع عبد الله بن عمر في طريق فسمع زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع ؟ قلت لا فأخرج أصبعيه من أذنيه وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة : خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ]


الصفحة التالية
Icon